أن توكيل محامي هو عقد نيابة، أذن الله سبحانه فيه للحاجة أليه وقيام المصلحة في ذلك، أذا ليس كل أحد يقدر على تناول أموره ألا بمعونة من غيره أو يترافع عنه ويدعم موقفه بالحجج والأدلة وهي مناصرة للحقوق المشروعة للمتهم، والمحامي هو خير من يقوم بهذه المهمة وهو أوفر قسطا من التحلي بفضيلة ألأمانة، لأجل أن يدافع عن المتهم، وعمل المحامي من الناحية الموضوعية حماية للضعفاء سواء كانوا ضعفاء في موقفهم القانوني أو ضعفاء من الناحية الاجتماعية، ويعمل المحامي على رفع حاجة :الضعيف والمظلوم ويسمع صوتهم للقضاء، ومصلحة المتهم تقتضي وجود محام عنه لأنه قد لا يستطيع الدفاع عن نفسه وقد ورد في الحديث الصحيح عن الرسول الاعظم
( أنما أنا بشر وانه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها) 0
ولأريب أن استعانة المتهم بمساعد صافي الذهن لا يكدر صفاء ذهنه خوف ولا قلق، أمر مشروع لتمكينه بمساعدة وكيله من معرفة حقيقة التهمة الموجه إليه، وأن من مستلزمات الدفاع أن يحاط المتهم علما بالواقعة المسندة أليه والأدلة المتوفرة ضده، ووجود من يعينه على فهم ما أسند أليه وينبهه إلى ماله وما عليه في ذلك، ويساعده في دحض أدلة الاتهام وتجميع أدلة النفي، أمر له كثير من الجوانب الايجابية ويزداد شعور المتهم في الدعوى الجنائية وحاجته إلى من يتولى الدفاع عنه، خاصة عندما يقرر القاضي إجراء التحقيق بصورة سرية لأسباب أمنية أو غيرها، فيفقد التحقيق أهم ضماناته الشرعية في علانيته ومراقبته الجمهور لسيره، ويصبح مثول المحامي مع المتهم يحقق كثير من المقاصد والغايات النبيلة التي ينشدها القضاء ولا يتعارض مع المبادئ ألإسلامية،
لكن هذه المعايير تغيرت وانحرفت عن مسارها لدى بعض المحامين وبخاصة قسم من محامي ومحاميات المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد، حيث قاموا بانتهاك وإسقاط حقوق المتهمين المستجيرين بهم من الظلم الواقع عليهم من تعذيب وإكراه من بعض القائمين بالتحقيق لإجبارهم على الإدلاء باعترافات لا صحة لها وملفقة حيث يقوم البعض منهم، وبسابقة خطيرة بالتوقيع على أفادات لمتهمين وبدون حضور الاستجواب أي بدون رؤية المتهم وسماع أقواله عند تدوينها امام المحقق والقاضي، وباتفاق مع القائمين بالتحقيق وبعلم القاضي المختص، لأجل أعطاء شرعية لاعترافات يتم بعدها تصديقها من القاضي، وبدون حتى معرفة أسم المتهم الذي وقع على أفادته.
وبذلك يصبح المحام أداة بيد القائمين بالتحقيق لتمرير إفادات قضائية تكون قد هيئات واسست الحكم لدى محكمة الموضوع باتجاه الإدانة، ويكون توقيع المحام قد أعطى مشروعية لتحقيق غير قانوني كونه أنتزع اعترافات بالإكراه وبدون حضور المحامي فعليا، وفي أحدى الحالات في المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ( كنت رئيس غرفة المحامين فيها لاكثر من ست سنوات) كان هناك أربع محام (ثلاثة محاميات ومحامي)، يوقعون إفادات بدون حضور الاستجواب ورؤية المتهم، وهم محامين على اتم الاستعداد عند الحاجة اليهم، وبدل من أن يجهز هؤلاء المحامين دفاعاتهم ويرتبون حججهم ويكون هدفهم خدمة الحق وإظهاره ودحض الأدلة والأسانيد الموجهة لموكلهم، كانوا أول من يوجه للمتهم طلقة الرحمة باتجاه إصدار حكم الإدانة، وفد تصدى لهم محاموا المحكمة الجنائية المركزية ووقعوا مذكرة ورفعوها إلى النقابة وبتوقيع (50) محام لاتخاذ إجراءات تأديبية تحول دون تكرار ذلك، لكن مع الأسف الشديد لم تقوم النقابة بأي أجراء تأديبي بحقهم بل اتخذت قرارا بغلق الشكوى ذي الرقم 3/ ش/2009، تحت ذريعة ان الانتداب كالخبرة والمحكمة معنية بمحاسبة المحامي المنتدب ( ساقوم بنشر اللائحة التميزية ومطالعات على نفس الموضوع) وهذه كارثة مهنية قانونية تسيء لمهنة المحاماة مهنة العقل الراجح والدليل الصحيح.
ان قرار النقابة، انقض على كل قاعدة من قواعد السلوك المهني ،وأسس لسابقة خطيرة بشرعية توقيع المحامي على الإفادات بدون حضور الاستجواب، وإسقاط نصوص إنسانية ومهنية وردت في قانون المحاماة، تلزم المحامي بالدفاع عن موكله بكل نزاهة وإخلاص، وأجهز على ضمانات المتهم التي يجب أن تكون النقابة حريصة على فعاليتها وتكون سباقة في عدم مغادرتها0
إن قرار مجلس النقابة، بأن انتداب المحامي لأي متهم يخضع لإحكام الخبرة، وان الموضوع معني به القضاء العراقي ،فيه مخالفة لكل مواد قانون المحاماة التي أكدت في فصل (واجبات المحامي) م (43) التي نصت عمل (المحامي أن يدافع عن موكله بكل أمانة وإخلاص ويكون مسئولا في حالة تجاوزه حدوده الوكالة أو خطئه الجسيم ) .
إن ضمانات المتهم تعد من أهم الموضوعات الإجرائية بالتالي حضور الاستجواب مع المتهم من قبل المحامي يجعله رقيباً على منع تقيد حرية المتهم خوفاً من أن ينتهك حقه، ويتعرض شخصه للإكراه، لذا وجود المحامي مع موكله (المتهم) يجعله ضمانة من ضمانات عدم المساس بحريته وحقوقه،وقرار النقابة هذا يجعل الباب واسعاً لأجل القيام بمثل هكذا ممارسات تسهم وبشكل فعال في التجاوز على تحقيق العدالة وحفظ الحقوق وتنال من سمعة وكرامة وهيبة مهنة القضاء الواقف .
المحامي المنتدب وكيل عليه التزامات لا تقل عن التزامات المحامي الأصيل وبالتالي يجب على النقابة محاسبة المحامي عندما يكون خصم لموكله ويعطي مشروعية لتحقيق لم يكن حاضر استجواب المتهم فيه، وأين هي مبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة التي يجب على المحامي أن يتقيد بها والتي نصت عليها م (39) من قانون المحاماة إذا كان يوقع على إفادات مليئة بالاعترافات وعلى تحقيق لا يعرف كيف تم اخذ هذه الإفادات أليس هذا العمل يعد إخلالا بسير العدالة والواردة في المادة (50) من قانون المحاماة .
ان توقيع إفادات لمتهمين بدون حضور استجواب المتهم سابقة خطيرة أخذت بالانتشار عاموديا والتشعب أفقيا، لما أنتجته هذه التوقيعات من أحكام قاسية وهدر لحقوق المتهم الضعيف الذي يتأمل من المحام أن يكون له ظهير قوي في توفير الضمانات القانونية والدستورية للمتهم لكنه يصبح في يوم وليلة ولإرضاء السلطة القضائية والتحقيقية بطل في إضفاء المشروعية على هذه ألإفادات القسرية، ولغرض استجداء رضا السلطتين في دعاوى أخرى والكل يعلم، مدى حجية ألإفادة القضائية في تعزيز وتحقيق الاتهام ومن ثم إصدار الحكم، إن هذه الظاهرة تسيء للمهنة بشكل تجعل المحامي مرتبته دنيا بنظر السلطة القضائية والتحقيقية وتبشر بواقع مؤلم لرسالة العدل وملاذ المظلوم وتعطي انطباعات وترسم صورة للقضاء الواقف غير صحيحة ولها نتائج لا تحمد عقباها، والمتهمين بذلك يتعرضون لمؤامرة قانونية يشترك بها المحامون والقضاة لإصدار إحكام قاسية بسبب هذه الاعترافات القسرية، والمحامين بتوقيعهم الإفادات بدون حضور التحقيق يجعل مهنة المحاماة وبالا على العدالة، والمحامي خادم للعدالة وهو مطالب بان ينزه نفسه عن الانايا ويحسن سلوكه مراعياً كرامة وعزة المهنة التي يمارسها لان التزامه مقدس .
ان البعض من المحامين المنتدبين بخاصة في السنوات الماضية، أصبحوا مصدر شكوى من غالبية القضاة لممارستهم الانتداب بصيغ لا تتوافق مع مهنة المحاماة لمحاولتهم تلقين المتهم واخذ الهواتف واصطدامهم لعدة مرات مع المحامين الوكلاء الأصليين، وكانت هناك تصرفات تصدر من بعض المحامين المنتدبين خصوصا المحاميات، تسيء للمهنة كثيرا، لان البعض منهم، كان همه أن يزيد عدد أرقام المتهمين لأجل تحقيق مكاسب مادية؛ وبأي طريقة، مما ولد حالة من التذمر والاستياء من تصرفاتهم لدى غالبية قضاة التحقيقً والجنايات وبقية المحامين، وهذه الأفعال التي يمارسها بعض المحامين والمحاميات من خلال الانتداب، ترتد على المهنة بطريقة بعيدة عن أصولها 0
وعلى نقابة المحامين الموقرة الوقوف بحزم تجاه هذه الانتهاكات وإيجاد سياقات فعالة للتصدي لها، ولقد لاحظنا إن اغلب المشتكين على محام مخالف لأصول وقواعد المهنة يتيه بين الآليات الخاصة بالتبليغ وفعالية نظر الدعوى من اللجان الخاصة، وهناك تلكؤ كبير في إجراءات الشكاوى المقامة على المحامين من حيث سرعة التبليغ والبث في الشكوى حيث ترد تبليغات الشكاوي بعد فترة من موعد المرافعة، وبالية تجعل المواطن ينتابه الملل وعدم الثقة بالنقابة في تصديها للانتهاكات وهذه إلاجراءات تستوجب السرعة بالإجراء المهني الرادع وليس السير بإجراءات تستغرق أشهر وبالتالي يصبح الكلام يدور بعدة اتجاهات حول استباحة المهنة من خلال الإخلال بقواعدها وسلوكياتها دون عقاب وتساهل من النقابة؛ مما خلق أجواء اجتماعية وضعت المحامي في ذهنية عامة الناس أنه شخص يمارس أساليب غير صحيحة لأجل تحقيق المنافع المادية فقط.
أن تقاليد المهنة والتزاماتها الأخلاقية تلزم منا أن ندعم أحساس المحامي بالدور الاجتماعي الملقى على عاتقه كمعين للعدالة في قيامه بالدفاع عن المتهمين بكل نزاهة وبعيدا عن النيل من حقوق المتهم والى أعلاء سيادة القانون وأداء رسالة العدالة، والمحامي الأمين يكون مدافعا ونصير للمظلوم لاستخلاص حقه من الظالم في غير عنت ولا لدد، وهذا المحامي هو الصورة المنشودة والمأمولة للمحاماة في العراق حتى يرسخ اليقين بأنه عون للعدالة وليس وبالا عليها كما يراه بعضهم، لا ان يقوم
ب((قلب الظلم عدلاً ، والكذب صدقاً , والزور صحة .))
* رئيس غرفة المحامين السابق في المحكمة الجنائية المركزية vفي ساعة بغداد