23 ديسمبر، 2024 4:14 م

المحاكمة الكبرى 3/القضاء والسلطة التنفيذية

المحاكمة الكبرى 3/القضاء والسلطة التنفيذية

القضاء المستقل ركيزة أساسية في عمل الحكومة، لسبب رئيسي ومهم، بغض النظر عن بقية الأسباب التي هي أيضا مهمة، لكن هذا السبب يعتبر أهمها، وهو قدرته على محاكمة الفاسدين دون النظر الى الجهة التي ينتمي إليها، والخوف من هذا الحزب أو تلك الطائفة، أما إذا كانت تتلاطم به الأمواج من كل حدب وصوب، عند تقديم الفاسدين لمحاكمتهم وتلعب المحسوبية والمنسوبية دورا في تبرئة حيتان الفساد، هنا فقط يمكن أن نقرأ سورة الفاتحة على الجهاز الحكومي ككل.
عمل السلطة القضائية هو بيان دقة المعلومات التي يرفعها المكلف بالبحث عن الفساد (الإدعاء العام) وهو هنا مجموعة من الهيئات (هيئة النزاهة، مكاتب المفتشين العموميين) وإصدار الأحكام بحق من ثبتت عليه التهمة، وتبرئة ممن لم تثبت عليه التهم.
فقط في زمن الحكومة السابقة تتلاعب الأهواء في عمل هذه السلطة، التي أصبحت أداة بيد رئيسها، ليطلق الأحكام جزافا، فتارة نراه يحكم بإجتثاث شخصية، بعدها يقوم بإلغاء إجتثاثه، أما كيف إستند الى الحكم الأول، وعلى ماذا إستند في الحكم الثاني، فهذا مرتبط بأجندة رئيس الحكومة والتفاهمات والتجاذبات التي عن طريقها يمكن أن تلغى أحكام إعدام ويتم تبرئة أيدي ملطخة أيديها بدماء العراقيين، فقط ليبقى مختار العصر حاكما بأمره ليس إلا.
يدور نقاش هذه الأيام بين موافق ومعترض على شمول القضاء بالإصلاحات، وكلا يطرح وجهة نظر يسوق بها جملة من الأسباب للترويج لها، لكننا من وجهة نظر محايدة نقول وبدون محاولة النبش في أوراق قديمة، بأن على السلطة القضائية أن تعي حقيقة وهي أن كثير من ملفات الفساد، مرت أمام أعينها ولم تفعل شيئا، سوى تمريرها وكأن شيئا لم يكن، فها هي مئات الملفات التي تفوح منها رائحة الفساد المالي، من خلال عقود وهمية وعمولات بملايين الدولارات التي يسرقها موظفون مكلفون بالخدمة العامة، ولا يستطيع القضاء إدانتهم بسبب قربهم من السلطة السابقة.
إن محاربة الفساد من قبل السلطة القضائية، يجب أن يحكمه إصدار تشريعات لا يمكن معها أن يقوم المتنفذون من رجال الدولة العميقة، بعرقلة الأحكام الصادرة بحق المذنبين الفاسدين، على سبيل المثال، يجب إستقدام شخصيات من خارج البلاد لمحاكمتهم، لكن هذا متوقف على فرضية أن هذا الشخص يتمتع بحصانة دبلوماسية، أو أنه يحمل جنسية أخرى، عليه على السلطة التنفيذية التقدم من السلطة التشريعية بقوانين تعالج هذه المسائل، بما يحفظ حقوق البلد في الأموال التي سرقها أولئك.
أخيرا فإن كل ما تقدم لن يُكتب له النجاح، إذا لم يقف الجميع وقفة رجل واحد للمضي بالإصلاحات، ونقصد ب(الجميع) السلطات الثلاث والكتل السياسية ومن خلف أولئك الشعب، الذي يجب أن يعلم أن التغيير الذي حصل، لم يكن ليحصل لولا حكمة المرجعية الدينية الرشيدة، وعلى الشعب منح الوقت الكافي للسلطة التنفيذية للمضي بالإصلاحات التي أعلنت عنها، ذلك لأن هذه الإصلاحات تحتاج لوقت حتى يتبين لنا فاعليتها.