من اساسيات ايديلوجية الحزب الجمهوري و الذي هو احد اقوى حزبين في امريكا و العالم , هي الاعتماد على الحكومة المحلية في رسم سياسة الولاية او المدينة .مجموع سياسات الولايات او المدن هو السياسة المثلى للحكومة الفدرالية من وجهة نظر الحزب الجمهوري .هذا الحزب يضع ثقة كاملة في الحكومة المحلية ,لوضع الخطط و البرامج التنموية الكفيلة بتطوير مدنها و ولاياتها, و رسم سياستها الاقتصادية و الاجتماعية بما يلائم خصوصية هذه المدن و الولايات .اي ان الحكم يأتي من اصغر الحلقات او الدوائر التابعة للدولة . هذا ادّى الى ترسيخ مفهوم مهم جدا و هو ان القادة المحليين (المحافظين )هم الانسب لشغل منصب الرئيس الامريكي و ذلك لخبرتهم في قيادة مدنهم و ولاياتهم و التي هي دول مصغرة و بجمعها تتكون امريكا كبلد .
17 رئيس امريكي من اصل 44 كانوا محافظين . اي ان نسبة المحافظين الذين اصبحوا رؤساء لامريكا هو 39% و هي نسبة عالية لا يستهان بها , و تدعونا على الاقل لفحصها بعين ثاقبة.
توماس جيفرسون من ألمع و اشهر الرؤساء الامريكان قاطبة كان محافظا .انه احد الاربعة رؤساء المنحوتين على جبل روشمور.فرانكلين ديلانو روزفللت و المعروف بالاحرف الثلاثة من اسمه اف دي آر, هو الاخر كان محافظا .اف دي آر هو الرئيس الامريكي الوحيد الذي حكم اكثر من دورتين قبل ان يعدل الدستور و يحددها بدورتين رئاسيتين فقط .انه ابو العهد الامريكي الجديد كما يسميه التاريخ الامريكي (ذي نيو ديلل).لا اريد ان اطيل و لكنني يجب ان لا انسى ذكرمحافظ اخر هو الرئيس بلل كلينتون , و الذي بدوره كانت له بصمة كبيرة و مؤثرة عل الحياة و بكافة جوانبها في امريكا . انه الرئيس الامريكي الوحيد الذي ترك فائض كبير في الخزانة الامريكية و ذلك لصواب سياساته الاقتصادية الرائعة و التي لمستشاريه الاقتصاديين الباع الاكبر في تطبيقها و الاصرار عليها على الرغم من المعارضة الكبيرة لها من قبل الحزب (الجمهوري)المعارض في الكونغرس.
الامثلة تتعدى حدود امريكا ,حيث ان لفرنسا في فترة مهمة جدا من فترات ازدهارها رئيس كان محافظا . انه جاك شيراك , و من منّا لا يتذكر جاك شيراك و الذي كان محافظا لباريس في بداية حياته السياسية ,حيث كان محافظا لها من 1977 الى 1995 و بعدها اصبح رئيسا من عام 1995 الى 2007 . جاك شيراك ترك ارث هائل من الانجازات الضخمة و التي حققتها فرنسا ابّان عهده . نبقى في اوربا و نذهب الى بلد آمن و يعيش اهله احلى ايامهم , انه الدنمارك حيث ان رئيس وزراءه الحالي السيد لارس لوكي راسموسين كان محافظا لقضاء فريدريكبورغ كاونتي من عام 1998 الى 2001. مثالي الاخير في اوربا هو ايطاليا , حيث ان رئيس وزراءها الحالي السيد ماتيو رنزي كان محافظا لمدينة فلورنس من عام 2009 الى بداية 2014 .
انتقل الى بلد يفاجئ الجميع بمدى قدرته على كسر كل توقعات الخبراء خاصة الاقتصادية . انه كوريا الجنوبية , فرئيس وزراءه السابق السيد لي مايوينغ باك من عام 2008 الى 2013 كان محافظا للعاصمة سيوؤل من عام 2002 الى 2006 .
هذا قد يعطينا مفتاحا لما يحتاجه العراق لحل المعضلات التي يواجهها و التحديات الكبيرة و التي قد تأخذه الى طريق الصد ما رد , ان استمر قادته او قائده في سياساته العشوائية الفضّة هذه .فبعد صفحات الفشل الذريع الذي تمرّ به السياسة العراقية داخليا و خارجيا و الذي جاءت بسبب فشل قائده باخذه الى شاطئ الامان ,علينا ان نبحث عن مخرج حقيقي لهذه الازمات بالنظر الى القائد المحلي كعلاج . فالفشل الذي يخيمّ على مفاصل الدولة كلّها , امنيّة ,اقتصادية ,سياسية ,اجتماعية و حتى قانونية ,لا يمكن السكوت عليه اطول ,خاصة و ان الحلول المطروحة من اولي الامر لا تعالج خدش بسيط لانها حلول ترقيعية لا تحمل في طياتها اي عمق و ما تعبرّ الاّ عن ضحالة فكر و قلّة همّة طارحيها و مروجيها . الحنكة في ادارة الدولة و ملفاتّها المعقدة و التي تزداد تعقيدا اكثر كل يوم ,تبتعد عن تفكير القائد و همومه ,حيث ان تفكيره و همّه الوحيد المسيطر عليه و على الذين حوله هو الولاية الثالثة و ليذهب العراق و شعبه الى الجحيم .فكل شيء يهون من اجل الولاية الثالثة .العراق و شعبه ليذهبا قربانا لكرسي القائد .حيث ربط القائد كرسيه بسلامة بلد و شعب كامل , و هذا ما فعله القائد الذي سبقه و الذي قصته اصبحت تعرفها حتى الجرذان .
من خلال نتائج انتخابات مجالس المحافظات السابقة عرفنا بان هنالك محافظين لهم شعبية كبيرة داخل محافظاتهم , و ان نجاحاتهم في ادارة السلطة التنفيذية في محافظاتهم ادّى الى ترعرع الثقة في نفوس ابناء محافظاتهم اتجاههم . هذه الثقة برزت بشكل جلي في صناديق الانتخابات , حيث اعطت جماهير بعض المحافظات اصواتها و بكمّ هائل لهؤلاء المحافظين .و من هؤلاء يأتي ثلاثة على رأس القائمة , أولهم(عن الاحرار ) السيد علي دواي محافظ ميسان. ثانيهم (عن الوفاء للعراق ) السيد عدنان الزرفي محافظ النجف الاشرف . ثالثهم (عن دولة القانون ) السيد خلف عبدالصمد المحافظ السابق للبصرة .لقد حان الوقت للعراقيين بقلب الطاولة على المتاجرين بحياتهم و حياة اهلهم و ذويهم , و المطالبة بشكل جديّ بان يكون رئيس الوزراء القادم من احد هؤلاء المحافظين .التفكير الموجود داخل المنطقة الخضراء لن ينتشل العراق من محنه و آلامه التي يمرّ بها و التي قد تسوء اكثر ان استمر اهالي هذه المنطقة الشريرة بالتلاعب بأرواح الناس و مقدرّات معيشتهم و زجّهم في صراعات لا فائدة منها سوى الخراب و الدمار .ليهتف العراقيون جميعا بالتغيير , و ان الخطوة الاولى للتغيير تأتي بالمطالبة بأعطاء القيادة (رئاسة لوزراء )الى دماء جديدة لا تأتي من المنطقة الخضراء و سمومها و عفونتها …