23 ديسمبر، 2024 3:29 ص

المحافظات … بين المركزية واللامركزية الإدارية ؟!

المحافظات … بين المركزية واللامركزية الإدارية ؟!

القسم الرابع
إن إعتماد مبدأ مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ ، مع ممارسة المركز لمسؤولية متابعة التنفيذ والرقابة والتقويم ، وتطوير وسائلهما وتوحيد وتبسيط إجراءاتهما وإزالة عقباتهما لضمان سلامة نتائجهما ، هو الطريق الصحيح والسليم الضامن لقوة الدولة وفرض هيبتها ، المتناثرة بين أشواك الأقاليم وحكوماتها وإداراتها المحلية ، في أجواء عواصف وأصوات تقسيم وتفتيت الوطن وقتل روح المواطنة بالحصرية والمشتركة من الواجبات والمهام والإختصاصات ، مما يدعوا إلى تحديد العلاقة على وفق ما تقدم من أجل البناء والتطور والنمو الدائم ، خاصة فيما يتعلق بوضع السياسة التربوية الموجهة لأنشطتها من قبل وزارة التربية ، وأن يقصد بالتشاور مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم ، الوارد في آخر نص المادة (3/أولا) من قانون الوزارة رقم (22) لسنة 2011 ، الدوائر ذات الإختصاص في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم ، وإن تم النص على تأسيس وزارة التربية في سنة 2011 حسب نص المادة (1) من القانون المذكور ؟!. خلافا لحقائق الوقائع والتأريخ ؟!. الذي لا يستطيع التضليل السياسي إخفاء معالمه الأصيلة ، لغايات وأهداف طمس الهوية العربية وإضعاف لغة الضاد .

لقد نصت المادة (123) من الدستور على أن ( يجوز تفويض سلطات الحكومة الإتحادية للمحافظات أو بالعكس بموافقة الطرفين ، وينظم ذلك بقانون ) ، وتلك من أخطاء الدستور الجسيمة ، حيث لا يجوز تفويض السلطة ، إنما يعهد الرئيس الإداري الأعلى ( الوزير ) بممارسة بعض إختصاصاته وصلاحياته التي يستمدها من القانون ، إلى أحد مرؤوسيه العاملين في مواقع الإدارة المتقدمة في الوزارة أو في التشكيلات اللامركزية في المحافظات وليس العكس ، كما لا يجوز تفويض كافة الإختصاصات ، خاصة ما يتعلق منها بإتخاذ القرارات ذات البعد الإستراتيجي الفني المهني ، لأن في ذلك تنازلا وإنحسارا لحدود مسؤلياته ، وتقاطعا مع إمكانية إسترداد الإختصاصات التي فوضها أو أن يغير من نطاق التفويض بالزيادة أو النقصان ، وهو ملزم بممارسة إختصاصاته بنفسه وتحمل نتائج تطبيقاتها ، إلا في الحالات التي يصرح فيها المشرع بجواز التفويض وفي حدود معينة وفي ظروف عمل محددة ، لأن الإختصاص ليس حقا لصاحبه يتصرف فيه كيف يشاء أو يتنازل عنه لغيره عندما يريد ومتى شاء ، إنما هو وظيفة يعهد بها القانون إلى من يراه أهلا لتوليها ، كما يجب عدم الخلط بين نظام تفويض السلطة وتفويض التوقيع ، والحلول في الإختصاص ، والإنابة في الإختصاص ، لأن من القواعد المسلم بها ، أن السلطة ترتبط بالمسؤولية وجودا وعدما ، بما يعني تساوي المقدرة القانونية على القيام بأعمال معينة ، مع الإلتزام بأداء الواجب طبقا للقانون ، وإلا حقت المساءلة والعقاب ، لذلك يجب على الرئيس الأعلى أن يجري مراجعة دورية لنشاط المفوض إليهم ، ليتأكد من سلامة أعمالهم ونجاحهم في القيام بالمهام الموكلة إليهم ، لأنه مسؤول عن حسن إختيار المفوض إليه ، بما يتناسب بين الإختصاصات المفوض فيها وبين كفاءة المفوض إليه ، الذي يسأل هو الآخر عن سلامة تصرفاته المتصلة بالمسائل المفوض فيها ، لأن ما حصل عليه من صلاحيات بالتفويض ، لا بد وأن يقابلها من المسؤولية ما يماثلها بالقدره ، ومعنى ذلك أن التفويض ينطوي على مسؤولية مزدوجة تقع على عاتق كل من المفوض والمفوض إليه بالنسبة للأعمال المفوض فيها ، كما إن التفويض يعني تخويل الصلاحيات الممنوحة للرئيس الإداري بموجب القانون أو بغيره ، لمن هو أدنى منه في المنزلة الوظيفية ، لأن صاحب الإختصاص كثيرا ما لا يتسع وقته – خاصة في المستويات العليا من السلم الإداري – لممارسة كافة ما يخوله القانون من إختصاصات وصلاحيات ، مع إستمرار بسط رقابته وإشرافه على أداء الأعمال من قبل المفوض إليه ، وبذلك لا يجوز تفويض صلاحيات المحافظات للحكومة الإتحادية ، إستنادا إلى موافقة الطرفين المخالفة للقانون في هذه الحالة ، لأن بإمكان سلطات الحكومة الإتحادية إسترداد ما خولته من صلاحياتها إلى المحافظات ، عند فشل التفويض في تحقيق مزاياه ، بإنقلاب محاسنه إلى مساوئ لا تخدم الصالح العام ، وعليه لا بد من تعديل هذه المادة السالبة لإختصاصات المحافظات وصلاحياتها تحت جناح التفويض بالإتفاق الفاقد لشرعيته ، وكذلك الحال بشأن ما ورد في البند ( رابعا ) من المادة (126) من الدستور ، فيما يتعلق بعدم الإنتقاص من صلاحيات الأقاليم إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني ( وموافقة أغلبية سكانه بإستفتاء عام ) ، لأن التفويض لا يتضمن التنازل عن السلطة الممنوحة بموجب القانون ، وخاصة الحصرية منها وما لا يخضع لأحكام السلطة التقديرية ، وإنما هو إشراك فيها مع إستمرار الرقابة والتوجيه ، الذي لن يتحقق في حالة تفويض الأدنى للأعلى لممارسة إختصاصاته القانونية والإدارية ، التي يقتضي توسيعها في ظل إعتماد نظام اللامركزية الإدارية والفدرالية الإتحادية ، وليس العكس الذي لم نجد له سندا في قواعد التفويض المعروفة والمعتمدة .

وفي ضوء ما تقدم نجد أن وزارة التربية وبموجب قانونها النافذ حاليا ، تتكون من تشكيلات مركزها والتشكيلات المرتبطة بها ، ومنها المديريات العامة للتربية في المحافظات ، التي تتمتع بالشخصية المعنوية وتطبق التشريعات الخاصة بها ، تربوية كانت أو إدارية ، ويمثلها رئيسها الذي يديرها بعنوان وظيفة مدير عام وعلى ملاكها الدائم ، سباقة في تطبيق مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ تبعا لنمط الأعمال والإجراءات الموجبة لذلك ، ولعل من المعلوم في الإجراءات الإدارية ووفقا لقانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، أن يعرض الوزير المختص مرشحه لتولي وظيفة المدير العام على مجلس الوزراء لتعيينه بقرار صادر عنه ، في الوقت الذي نص قانون المحافظات النافذ على غير ذلك كما سيأتي بيانه لاحقا .