6 أبريل، 2024 10:33 م
Search
Close this search box.

المحافظات … بين المركزية واللامركزية الإدارية ؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

القسم الثاني
إن التغيير في المفاهيم الفكرية ، يقتضي إيجاد كادر إداري قادر على فهم مسؤولياته ، مع إيجاد صيغ بديلة عن تلك التي كانت وما تزال مثار الشكوى والتذمر ، وإذا كانت الصيغ الإدارية محكومة بنصوص قانونية ، فلا مناص من تغيير تلك النصوص بما يؤمن إيجاد الصيغ البديلة المناسبة والسليمة ، لأن الإجراءات الإدارية آليات كشف لإستحقاقات وظيفية ، ما لم تتعارض مع روح التشريعات النافذة ، أو تلحق الضرر ببيت المال العام ، وهي بذلك ليست أمرا مقدسا ، كما إن تغييرها ليس أمرا مستحيلا ، وإذا كانت الرغبة غير قائمة لدى من لا يرغب في الإصلاح والتغيير ، ظنا منه في ديمومة مركزه الوظيفي أو المحافظة على ما حققه من مكاسب مؤقتة وآنية في غفلة من الزمن ، فإن وضع أساسيات نهوض الجهاز الإداري ، وجعله قادرا على تحمل مسؤولياته بكل أمانة وحزم ، على الرغم مما تم تخريبه ولم تتم معالجته ، أمر تحتمه مقتضيات المصلحة العامة والعليا للوطن والمواطن ، من منظور أن الوظيفة أداة عمل ووسيلة تنفيذ ، والخير فيمن شرفها ، لا بمن فيها تشرفا .

إن التعقيدات الإدارية من المظاهر السلبية التي رافقت العمل الإداري منذ ظهوره ولحد الآن ، وإن إختلفت مقاديرها الكمية أو النوعية من زمن إلى آخر ، أو إختلفت حاويات حواضنها ، إلا إن مستوى التدهور السلبي والإنحدار الخطير للأداء الوظيفي بعد الإحتلال ، المتجسد في مظاهر الفساد الإداري والمالي والتربوي الذي لم ولن ترضاه الأمة في ماضيها وحاضرها وقادمات أيامها ، في ظل نصوص قانونية وإجراءات إدارية لا تمهد الطريق لتمحيص ما كان ، وبناء ما سيكون على أسس رصينة ومتينة ، يتطلب القيام بممارسات مهنية فاعلة وفعلية لا لبس فيها أو غموض ، بعد تصحيح مسارات النوايا والتوجهات السياسية القائمة على تجزئة العراق وتفتيت بنائه الوطني ، من خلال نصوص دستورية وقانونية تراعي مفاهيم ومعاني مفردات مكوناتها ، مثلما نصت المادة (122/ ثانيا) من الدستور على أن ( تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم ، الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة ، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية ، وينظم ذلك بقانون ) ، ولأن دوائر الدولة في المحافظات وليس دائرة المحافظة ذاتها ، لم تمنح الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بالشكل الذي يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية ، دفع بأغلب تلك الدوائر وتحت تأثير الشعور بالإحباط ، إلى المطالبة بتحويل المحافظة إلى إقليم مستقل من الناحيتين الإدارية والمالية ، بسبب تهميش السلطات الإتحادية للسلطات المحلية أو المرفقية المعترف لها بالشخصية المعنوية ، عسى أن يتمكن العاملون في الإدارات المحلية من تحقيق ما لم يستطيعوا بلوغه في ظل السلطات الإتحادية التنفيذية .

وحيث يستند إلى توجهات الدولة في كيفية إدارة مؤسساتها المحلية أو المرفقية العامة ، نجد تفرد السلطة المركزية بممارسة شؤونها عن طريق الدوائر الرئيسة المكونة لدواوين الوزارات والهيئات ، أو عن طريق تشكيلات إدارية مقرها العاصمة وتتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة وفروعها في المحافظات ، لقيامها على أساس التخصص وتنوع الأهداف المراد تحقيقها بما يعرف بنظام المركزية الإدارية ، الذي من أهم مزاياه أنه يتجاوب ويتفق مع طبيعة بعض المرافق العامة ، التي ليس من الممكن أو المناسب أن تتخلى عنها السلطة المركزية ، بإعتبارها من أسس وحدة الدولة ووجودها كمرفق الأمن ، كما إنها تساعد على تقوية وتماسك الدول الناشئة بما تنطوي عليه من تقوية لنفوذ السلطة المركزية ، وتوحيد للقواعد القانونية المطبقة ، كما إن أهم عيوبها بطء إنجاز العمل ، وعدم التناسب مع متطلبات بعض المرافق العامة ، ذات الطبيعة الخاصة التي يقتضي نجاحها إستقلالها وتحررها من أسلوب الإدارة الحكومية المركزية .

أما اللامركزية الإدارية ، فتعني وجود عدد من السلطات الإدارية المستقلة المحلية أو المرفقية ، المتمتعة بالشخصية المعنوية ، إلى جانب السلطة الإدارية المركزية التي تحتفظ على هذه السلطات بنوع من الرقابة والإشراف في ظل ما يسمى بالوصاية الإدارية ، ضمانا لوحـدة وسلامـة السياسة الإدارية في الدولة ، حيث تقوم اللامركزية الإدارية على أساس توزيع الوظيفة الإدارية للدولة ، بين السلطة المركزية وبين عدد من السلطات المحلية أو المرفقية المعترف لها بالشخصية المعنوية ، التي يمكن تعريفها على أنها ( كائن قانوني يهدف إلى تحقيق النفع العام ، ويتمتع بقدر من إمتيازات السلطة العامة على الأشخاص والأموال الواقعة بدائرة إختصاصه ) ، ولعل أهم مزايا نظام اللامركزية الإدارية ، المرفقية منها والمحلية ، هي التخفيف من أعباء السلطة الإدارية المركزية ، إذ تقتصر مهمتها بشأن الإختصاصات التي تتكفل بها السلطة اللامركزية ، على مجرد ممارسة الوصاية الإدارية عليها ، كما إن نظام المركزية الإدارية بإعترافه للسلطات اللامركزية بالشخصية المعنوية ، مع ما يترتب عليها من التمتع بذمة مالية مستقلة ، يسمح بزيادة الموارد المالية لهذه السلطات ، ويساهم في زيادة كفاءة المرافق العامة ، ويتجاوب مع الأفكار الديمقراطية ، بإشراكه لمواطني الوحدات المحلية في إدارة شؤونهم العامة ، ويسمح بتكوين القادة منهم ، ورفع الوعي العام والإهتمام بالمصالح العامة بينهم ، وعلى أية حال ، فان مزايا نظام اللامركزية هي التي فرضت وجوده ، فلا تكاد دولة تستبعد نظام اللامركزية الإدارية بشكل تام ، إلا لتقيم نظاما مركزيا مطلقا أو بالعكس .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب