القسم الأول
كثيرا ما يتردد السؤال ( إلى أين يذهب بنا ساسة الصدفة ؟، وما الذي يريدون ) ، ولعل الإجابة قد اتضحت أركانها ، بعد ظهور عدد من عوامل التمزيق الوطني ، وأولها الدستور وما تضمنه من قواعد (المناطق الأخرى المتنازع عليها) و(النظام الإتحادي) و (الفدرالية) و (الأقاليم) ، وغيرها من مفردات التقسيم المتوجة بآراء وسلوكيات الطارئين على حكم البلاد والعباد ، وفي مقدمتها إستخدام ثالوث الخراب والدمار الوطني ( العرقية والطائفية والمذهبية ) ، بآليات (بيننا وبينهم بحر من الدم) و (معسكر يزيد و معسكر الحسين) ، و (الدم بالدم) ونظرية التوازن (قتل سبعة من الشيعة يقابلهم قتل سبعة من السنة) ، وتحرير كركوك من (الإحتلال) سيطرة أحد المتنازعين ، قبل أن يتحرر العراق من الإحتلالين الأمريكي والإيراني ، ومن سياسي الصدفة والإنتهازيين والطائفيين ، وقبل حلول الندامة الوطنية ، بنشوء جمهوريات الفشل والفساد الثلاث ، إداريا وماليا وتربويا . وغيرها من مصادر الإزعاج الوطني التي شاعت وسادت من غير خجل ولا حياء بعد الإحتلال سنة 2003 ولحد الآن ؟!.
ولغرض تكوين تصور وفهم متكامل حول عمل دوائر الدولة وفروعها العاملة في المحافظات ، فيما يتعلق بهياكلها ووظائفها ومسؤولياتها ومواردها ، وما ستؤول إليه في ظل تطبيق الإدارة اللامركزية فيها ، نجد في تثبيت ما يمكن إعتماده في موضوعنا هذا ، ما يساعد على وصف حقيقة النوايا والأهداف ، حيث تحدد التشريعات النافذة كل ما يتعلق بأساليب وإجراءات إدارة شؤون الدولة ، المستندة إلى أسس وقواعد الدستور ، المستمد مضمونه وشرعيته من قيم ومبادئ وأعراف مجتمع الدولة وفلسفتها الفكرية ، المؤسسة للقانون المعرف ب ( مجموعة من قواعد السلوك العامة المجردة ، المنظمة للعلاقات الإجتماعية بين الأشخاص ، والمقترنة بالجزاء المادي الذي تفرضه السلطة العامة على من يخالفها ) ، وبالتالي فإن القاعدة القانونية التي يتكون القانون من مجموعها ، تشكل خطابا موجها إلى الأشخاص ، يشعرهم بترتيب نتيجة معينة على حدوث واقعة محددة ، إبتغاء ضبط النظام في المجتمع ، وتحقيق الإنسجام بين روابطه ، وهي بذلك قاعدة سلوك إجتماعية عامة مجردة ملزمة ، تنظم الروابط بين الأشخاص في المجتمع ، وتحدد سلوكهم وتفرضه عليهم ، وتشيع روح النظام فيما بينهم وتتولى إدارتهم ، وتتبع قوتها الملزمة بالجزاء المادي الذي تفرضه السلطة العامة على من يخالف أحكامها ، وعليه فإن النظام القانوني هو( مجموعة القواعد القانونية ، المتميزة بالتماسك فيما بينها ، وبالثبات في تطبيقها ، الهادفة إلى تحقيق غرض معين ومشترك) وهو بذلك لا يضم قواعد متباينة عن بعضها من حيث الغرض ، أو متهالكة على بعضها دون رباط وثيق يشد مجموعها ، بل يتضمن قواعد قانونية تحكم وقائع محددة ، من أجل البناء والتطور والإزدهار في جميع المجالات .
وعليه فإن القانون الإداري هو الذي يحكم الإدارة من حيث تكوينها ونشاطها ، ويتولى أمر تقسيماتها وفروعها ، وتعيين العاملين فيها وكيفية إدارتها لمرافق الدولة ، ويضع الضوابط الملزمة لموظفيها ، والحدود التي على الإدارة عدم تجاوزها ، باعتبارها السلطة العامة المخولة بتنفيذها ، إلا أن ترك القواعد المنظمة لإنجاز الأعمال لاجتهادات الأفراد واللجان غير المتخصصة ، لا يؤدي إلا إلى الفوضى وعدم الإستقرار الإداري ، وإذا كان القانون ضروريا لقيام المجتمعات ، فإنه ضروري لتحسين أوضاعها ورفع مستواها ، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود قواعد سليمة ترسم خطة سيره التي فيها من أسباب الإرتقاء ، ما يجعله عند تقادم الزمان والمكان أكثر ضرورة للحياة والمجتمع ، وليكون وسيلة للحفاظ على النظام الإجتماعي ، وطريقا للخدمة العامة والأداء المتميز بنوعيته ، وسبيلا لتحقيق العدالة الإجتماعية للمواطنين ، ومن الطبيعي أن تخضع التشريعات لمتطلبات قوى التغيير المرافقة للأسس الفكرية والفلسفية للدولة ، والتوجهات السياسية للحكومات المتعاقبة القائمة على التنفيذ بمختلف الوسائل والأساليب ، إلا إن التخبط والتعقيد الإداري يظهر جليا ويزداد تشوها ، كلما أخفقت الدولة في ترشيد هياكل أجهزتها الإدارية ، وساقها توسعها غير المنضبط بحدود الحاجة الفعلية من الأجهزة والموظفين ، إلى تردي مستوى الخدمات للمواطنين ، مما يستلزم اللجوء إلى خطة تنموية فاعلة ، تستدعيها ضرورات التحول والتغيير ، لتشخيص العقبات القانونية والمعوقات الإدارية ، والعمل على تذليلها وإزالة ما يمكن إزالته ، بصيغ التعامل المتبادل للخبرة العملية والممارسة الفعلية ، بدراسة كل ما يؤدي إلى قتل حركة الدولة وإنسانية معالجتها ، ووضع الحلول المناسبة لها ، ولأن العلاقة الإدارية بين الحكومة وموظفيها علاقة تنظيمية عامة ، تحكمها القوانين والأنظمة ، فإن العاملين في القطاع العام يخضعون لقواعد قانونية متصلة بتنظيم الوظائف العامة ، التي تحدد المركز القانوني بما يضمن أداء الواجبات واكتساب الحقوق في جميع المجالات والحالات ، وإذا كانت المناداة لتصحيح الإنحرافات الإدارية والمالية ، والقضاء على مظاهر الفساد العام أو تقليص حجم تأثيره أمرا دعائيا ، لا يهدف إلى حماية المصلحة العامة وخدمة المواطنين ، عندما تبتعد الدولة وتتراجع عن دورها في تقديم الخدمات وإشباع حاجات الناس ، فإنها في مفهوم الإصلاح والتغيير الحقيقي ، عمل مخلص ودؤوب ، يشجع الدولة على تغيير مسارها ، ويعيد لها هيبتها بعد كبوتها ونهوضها من غفوتها ، لأن المسؤولية القانونية والإدارية ليست هواية يمارس فيها الحق والباطل على حد سواء ، إنما هي ميزان حكم عادل ومنصف ونزيه ، يغير توجهات الموظفين ويدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد والمثابرة ، لتأكيد صفاتهم الوظيفية الحميدة ، التي يشرفون بها كل مواقع العمل التي نهضوا بأعباء مسؤوليتها ، وتحملوا إصر ومعاناة تداعياتها من أجل خدمة المتطلعين إلى دقة إنجاز معاملاتهم بأقل جهد ووقت وكلفة .