المحاضرون بالمجان الذي تنتشر أخبارهم هذه الأيام لما يقومون به من احتجاجات في بعض المحافظات ، هم من شرائح شعبنا الذين همهم العيش الكريم وخدمة البلاد ولم يتأكد لأحد بان منهم من الجوكرية او أبناء الرفيقات او ذيول السفارات ، وابسط ما يمكن الوصف بحالتهم إنهم من ضحايا الوعود المخادعة التي أطلقت قبل وبعد الانتخابات ، وتعود قصتهم ( التي اشرنا لمخاطرها في مقالتنا المنشورة بهذا الموقع بتاريخ 29 تشرين الثاني 2017 ) لعام 2017 فبعد فك ارتباط بعض مديريات التربية وربطها بالمحافظين استنادا لقانون الإدارة اللامركزية رقم 21 لسنة 2008 فقد سمح محافظ بغداد بموجب كتاب المحافظة رقم 3373 بتاريخ 6 \ 11 \ 2017 بتعيين ( محاضر بالمجان ) في مدارس المحافظة على وفق آليات وتعليمات تم تحديدها لهذا الغرض ، وأبرزها أن يكون عمل المحاضر بالمجان وعلى سبيل التطوع وان تعيينه وعمله بالمجان لا يمكن أن يكون وعدا بالتعيين في حالة إطلاق أو فتح التعيينات ، وان يكون التعيين حسب الحاجة الفعلية لاختصاصات معينة ويكون التعيين لتغطية الحاجة في التعليم الابتدائي والثانوي بما يناسب التأهيل الدراسي ، وتتضمن التعليمات أيضا سلسلة طويلة من الإجراءات بين إدارة المدرسة ومديرية التربية تنتهي بموافقة محافظ بغداد عل التعيينات ، وانتقلت عدوى هذا الإجراء من محافظة بغداد إلى المحافظات الأخرى نظرا لإقبال الشباب على الاستجابة له وحاجة مديريات التربية لإملاء الشواغر في بعض الاختصاصات داخل المدن وفي القرى والأرياف ، ووزارة التربية التي يجب أن تبقى المسؤولة عن التربية وشؤونها حتى وان تغيرت جهة ارتباط بعض مديرياتها لم تبدي رأيها في موضوع تعيين المعلمين كمتطوعين بالمجان حيث اعتبرت إن الموضوع يتعلق بصلاحيات المحافظين ورغبة المحاضرين ، وقد استطاع آلاف المحاضرين أن يثبتوا جدارتهم في التربية والتعليم إذ لم تظهر سلبيات لإنهاء هذه التجربة ، ولكونهم عاطلون عن العمل ويؤدون الخدمات للحكومة والمجتمع ولم تنهى خدماتهم في نهاية العام الدراسي فقد تأملوا بان يتم تعيينهم او منحهم الأسبقية في التعيين عندما تعلن التربية عن وجود شواغر في التعيين ، وقد شجعهم على ذلك بعض السياسيين الطامعين بتولي مقاعد في مجلس النواب لدورة 2018 حيث ملئوهم بالوعود ، وقد مضت سنة 2018 دون تعيينهم بحجة إيقاف التعيينات فانتظروا عاما آخرا وكان عبارة عن سراب ، وعند صدور قرار مجلس الوزراء 315 لسنة 2019 نالهم نصيب من الأمل في تحويلهم لمتعاقدين وتثبيتهم عند إطلاق التعيينات في 2020 ولكن السنة مرت من دون إصدار موازنة اتحادية مما يعني ترحيل طموحهم عند تشريع موازنة 2021 التي عدوها موازنة تحقيق الطموحات بعد أن تلقوا وعودا كثيرة حسب (ما يدعون) من سياسيين تبنوا موضوعهم لأنهم شباب منتجين ويقدمون الخدمات للبلاد ، وبعد انتظار ثلاثة ا،شهر بالتمام والكمال لإصدار الموازنة تفاجئوا بعدم وجود فقرة او مادة ضمن قانون الموازنة يتضمن تنفيذ الوعود التي أطلقت لهم بالتعيين او التعاقد باعتباره حقا مكتسبا كونهم مواطنين و ويعتقدون بأنهم مؤهلين لإشغال وظائفهم بالتجربة والبرهان .
وعند اتصالهم بأصحاب الوعود بالتعيين لمعرفة أسباب عدم تضمين موضوعهم في قانون الموازنة شعروا بأنهم ضحية اختلافات بين الحكومة ومجلس النواب مرة وبين لجان المجلس او رئاسته مرة أخرى ، ولشعورهم بالظلم رغم ما قدموه من تضحيات وجدوا من المناسب إيصال أصوات حقوقهم لمن يمتلك القرار بالطرق السلمية التي تؤكد أحقيتهم في التعيين بالعقود وليس المكافآت او بصيغ تضمن لهم مستقبلا مهنيا في الاستمرار ، سيما إنهم لم ينقطعوا عن طلابهم في ظروف وباء كورونا حيث يشاركون زملائهم على الملاك بتقديم الدروس الالكترونية وممارسة كل المهام التي أسندت لهم بشهادة إدارة مدارسهم التي تؤكد حاجتها لهم ، والموضوع لم يحسم بعد لتعقد إجراءاته فالموازنة الاتحادية لعام 2021 قد تم التصويت عليها وهي في مرحلة عرضها على فخامة رئيس الجمهورية للمصادقة عليها وهو لا يمتلك الصلاحية الدستورية للإضافة إلى موادها وبإمكانه إعادتها إلى مجلس النواب للنظر في تلك الطلبات ، ولكن مجلس النواب يردد نفس العذر في عدم إمكانية إضافة التزامات مالية على الحكومة في الموازنة لأنها ربما ستكون عرضة للطعن لدى المحكمة الاتحادية ، ورغم إن مساحة الاحتجاجات تتوسع يوما بعد يوم وقد تؤثر على نوايا وزارة التربية في استئناف الفصل الثاني من العام الدراسي الحالي ، ورغم دخول نقابة المعلمين إلى جانب المحتجين لكون بعض منهم أعضاء في فروع النقابة ، إلا إن المتابعين لا يتوقعون حلا للموضوع لان هناك سببين الأول هو التخوف من تكرار الوعود بتضمين مطالبهم في موازنة 2022 وهو مالا يرضيهم قط لان الانتخابات قادمة وسيتغير مجلس النواب والوزراء ، أما الحل الأخر فهو إصدار قرار من مجلس الوزراء بتحويلهم إلى عقود بقرار يصدر منه او بمشروع قانون ملحق او تعديل لقانون موازنة 2021 وبالطرق الدستورية للتشريع ، وفي غضون ذلك فمن الضروري الحؤول دون توسع وانتشار هذه الاحتجاجات لكي لا تأخذ شكلا آخرا لا يتمناه الخيرين ، حيث لم تصدر تصريحات او تطمينات من الجهات المسؤولة لإيجاد معالجة حقيقية لموضوعهم بالسلب او الإيجاب تعتمد على الحلول وليس الوعود ، فهم لم يرتكبوا خطئا او خطيئة منذ بداية الموضوع ولحد اليوم ، فكل ما جرى من تعيين وان كان بالمجان تم بالطرق الرسمية وبموجب عقود وتعهدات اعتبرها الشباب أملا بالتعيين حتى وان لم يدرج ذلك بالنص ، وفي الأول والآخر فهم من الأبناء والإخوان من خريجي الجامعات الذين أنفقت عليهم الدولة أموالا طائلة وعولت عليهم في خدمة البلاد والعباد ، وما يطالبون فيه حق مشروع وان كانت الدولة تعاني احراجات مالية يمكن تلافيها كما تمت للفقرات العديدة في موازنة 2021 التي تحول بعض موادها إلى ( بازار ) لتلبية بعض الطلبات .