لاتكمن مشكلة المحاصصة التي تأخذ تسميات مختلفة في كل دورة برلمانية جديدة لحفظ ماء وجه السياسيين الذين شملت اجنداتهم الانتخابية محاربتها. تسمية المحاصصة صارت في دورة انتخابية لاحقة مشاركة وبعدها وحدة وطنية ولعل الاسابيع القليلة المقبلة ستخبرنا بالتسمية الجديدة التي سيطلقها السياسيون الجدد على المحاصصة في محاولة منهم لصب نبيذ قديم في زير جديد. المشكلة لاتكمن في المحاصصة “الشعبية” فهذه تمثيل لكل فئات الشعب العراقي في الحكومة وهي اذن ممارسة ديمقراطية صحية، ولكن المشكلة تكمن في المحاصصة الحزبية، فهذا النوع من المحاصصة عاني وسيعاني منه الشعب العراقي لسنين قد تطول اذا لم يتم اعادة النظر بتفسير الكتلة الاكبر الذي خرجت به المحكمة الاتحادية بعد انتخابات عام 2010 كي تمهد لولاية ثانية لرئيس دولة القانون نوري المالكي الذي حلت كتلته ثانيا بعدد المقاعد 89 مقعدا بعد الكتلة الوطنية برئاسة أياد علاوي التي حصلت على 91 مقعدا. المحاصصة الشعبية او الاجتماعية تعني ان تكون الحكومة شاملة لفئات الشعب العراقي كما اسلفنا فنرى مثلا وزيرا شيعيا واخر سنيا وغيره مسيحيا او كرديا ورئيس مؤسسة او هيئة مستقلة صابئيا او أيزيديا …الخ. لكن ان يشترط مثلا الحزب الاسلامي أو الاتحاد الوطني الديمقراطي او حزب الدعوة أن يكون الوزير السني أو الكردي أو الشيعي من المنتمين لاحزابهم كي يطرحوا الثقة بالحكومة فهذه هي المحاصصة المقيتة والمميتة التي ينهى عنها الشعب العراقي وعدد من قادة المجتمع. يفترض أن يعطى الخيار لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة باختيار سنة مستقلين مثلا لتمثيل المكون السني ويستبدلهم باخرين من نفس الطائفة اذاما فشلوا في أداء عملهم، ونفس الامر ينطبق على الوزراء الكورد والشيعة والمسيحيون وهكذا، فلا يجب ان يشترط الاتحاد الوطني الديمقراطي على سبيل المثال أو الحزب الاسلامي أو المجلس الاعلى أن يكون الوزراء الذي يمثلون طوائفهم وقومياتهم من احزابهم حصرا . المحاصصة التي أطالب بها أنا هي اعطاء رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة حرية اختيار الكابينة شرط أن تكون كل فئات الشعب العراقي متمثلة بها من خلال مسؤولين مستقلين -او حتى لو كانوا متحزبين- تكنوقراط متخصصين، لكن لاعائدية لهم غير رئيس الوزراء فتكون له الصلاحية والقدرة على استبدالهم ان فشلوا او محاكمتهم ان فسدوا. المعضلة الاخرى هي تفسير الكتلة الاكبر الذي خرجت به المحكمة الاتحادية عام 2010 في مخالفة صريحة منها للاعراف والممارسات الديمقراطية الدولية. هذا التفسير يعني أن علينا بعد كل انتخابات برلمانية ان نستسلم لشهور طويلة من مساومات وهات وخذ بين الكتل السياسية في عملية لايمكن ان تخلو من منافع غير شرعية ومحاصصات حزبية، لكن لو كان الرئيس يكلف الكتلة او التحالف الفائز باكبر عدد من مقاعد البرلمان كما هو الحال قبل 2010 ودون اللجوء الى تشكيل تحالفات بعد الانتخابات لكان أمر تشكيل الحكومة اسرع واقل فسادا وأقل محاصصة حزبية.