اتجاهان اثنان في التحليل، خرج بهما اغلب المقالات والبيانات والمواقف التي تناولت خلفيات وأبعاد السياسة الأمريكية، وشكلت خلفية مشروع قرار الكونغرس الأمريكي، الذي اعتبر إقليم كوردستان ومناطق ” السنة” بمثابة دولتين.
الاتجاه الأول يذهب إلى ان مصالح الولايات المتحدة الأمريكية تقتضي تقسيم العراق، وزرع الفرقة بين أبنائه، وفرض إرادتها عليه، كي يسهل عليها التحكم بموارده، وتأمين مصالحها من خلال ذلك بيسر وسهوله.
اما الاتجاه الثاني فيرى ان استقرار العراق هو مدخل تأمين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. اذ ان الصراع الذي يرافق عملية تقسيم العراق والتداعيات التي يخلفها، والمخاطر التي تنتج عنه، هي من التعقيد والتشابك بحيث يصعب وضع سقف زمني لنهايتها، حيث يتوقع ان تندلع معارك داخلية بين أصحاب السلطة والنفوذ، على كل متر من ارض العراق وعلى كل برميل نفط فيه! وسيمتد ذلك إقليميا بكل تأكيد، ما يشكل تهديدا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العراق و المنطقة بأسرها.
يتضح من قراءة كلا الاتجاهين، أنهما يتعاملان مع مصالح الولايات المتحدة في العراق، كقدر ماحق لا مرد عنه. وبعيدا عن التبسيط والتهوين من دور السياسية الأمريكية، التي لم تكن الولايات المتحدة يوما جمعية خيرية ذات نفع عام تقدم مساعدتها هباء منثورا، وانما هي صاحبة مشروع معلن وغير مخفي لتأمين مصالحها بالأساس وليس غير ذلك.
لكننا نقول ان التقسيم الذي تدفع إليه السياسة الأمريكية ليس قدرا لا يمكن تلافيه.
فهناك أنظمة حكم وشعوب وقفت بقوة ، وأفشلت كل المخطاطات التي رسمت على حساب مصالحها، والتاريخ السياسي المعاصر يعطينا أمثلة عديدة ومتنوعة. انما التقسيم يكمن في منهج المحاصصة الذي جرى اعتماده عليه في مسيرة العملية السياسية، فكل خطوة تمضي باتجاه المحاصصة الطائفية هي تثبيت للتقسيم كواقع لا مفر منه، وان القبول بهذا الواقع من جانب اي عراقي هو رضوخ للتقسيم لا محال!
السؤال يتعلق بقدرة المتنفذين في الحكم على حفاظ وحدة العراق، باعتبارهم مؤتمنين على مصالح الشعب، وهل بمقدورهم الوقوف موقف الغيارى ضد الإطماع الأجنبية والتدخل الفظ في الشؤون الداخلية للبلاد؟ ! الجواب يأتي محملا بأوجاع دامية، اذ ان الذين ارتضوا منهج المحاصصة الطائفية هم من دق إسفين التقسيم، والادلة على ذلك عديدة ولا حصر لها. وكان آخرها طريقة ادارة موضوع رد مجلس النواب على مشروع القرار الامريكي، حيث عكست نتيجة التصويت الوجه الحقيقي للازمة، التي تشكل المحاصصة الطائفية والاثنية أساساً لها.
الشعب العراقي غير عاجز عن التصدي لكل الإطماع التي تريد النيل من مصالحه وحقوقه والاعتداء على مقدراته. لكن التحدي يكمن في مدى قدرته وممثليه على صيانة وحدة العراق. وهو ما لن يمكن تحقيقه الا عبر طريق واحد وحيد، هو الابتعاد عن نهج المحاصصة الطائفية الذي أرسى التقسيم والافتراق بين أبناء الشعب الواحد، والعودة الى طريق الوحدة الوطنية التي أساسها هو اعتماد مبدأ المواطنة.