لم يسأل عملاء المحتل الامريكي الذي ابتدع مبدأ المحاصصة على اساس انها “تحقق التوزيع العادل لمناصب الدولة السياسية و الادارية بين مكونات الشعب العراقي و اطيافه المختلفة”, لماذا لايطبق هذا المبدأ في الولايات المتحدة الامريكية نفسها فيخصص للسود والمكونات الاخرى وهي كثيرة نسب معينة من مقاعد الكونكرس الامريكي ومناصب معينة في الادارات المحلية والفدرالية؟ المعروف ان مبدأ المحاصصة او الكوتا شبه محرم في الديمقراطيات الراسخة لانه غير عادل و يكسر قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب و لما له من عواقب كارثية معروفة. الذين أتوا مع المحتل او خلفه (سيان) لم يقبلوا فقط بفرض الفكرة من قبل الحاكم الامريكي وقتها وانما دعموها لمأرب لهم فيها ولقصر نظرهم لذا فانهم شركاء في هذه الجريمة بحق العراق وشعبه.
اذا اخذ نظام المحاصصة طريقه الى التطبيق يصبح ثقافة متجذرة وحق مقدس يصعب بل ويستحيل بعدها اجتثاثه. انه كالسرطان. وزاراتنا وسفاراتنا (وما ادراكم ما بها!) ومؤسساتنا جميعها الان مقسمة افقيا وعموديا مابين هذا المكون او هذه الطائفة او تلك فكيف ستصلح الامور علما بأن المتربعين على مراكز الدولة المختلفة على اساس المحاصصة يعمقون هذا الشرخ انفسهم ومع سبق الاصرار من خلال استقطاب وتوظيف الذين ينتمون لمكوناتهم حصرا بدون النظر الى الكفاءة و الولاء و النزاهة.
الانتخابات الاخيرة جائت لتكمل المأساة فكانت مأتما حزينا لاعرسا كما يصوره بعض البائسين. المرشحون وناخبيهم كانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا طائفيا واثنيا بشكل مدهش! لقد كان خطاب وتوجه المرشحون السنة الى السنة فقط و ينطبق ذلك بالضبط على المرشحين الشيعة. اما رجال الدين عربا واعاجم, سنة وشيعة فقد زادوا الطين بلة. والمشكلة الاكبر هي ان الجميع ينكرون ذلك ولايعترفون بالحقيقة المرة التي زرعوها انفسهم. الاستقطاب والاحتقان الطائفي الشيعي – السني اصبح الان الخطر الاول والاكبر ووصل الى الدرجة الحرجة (لمن يفهم ماذا اعني) في العراق الجديد. الامر الذي يلقي بظلاله الثقيلة على عملية التشكيلة السياسية التي ستكون عسيرة جدا في الفترة القادمة. الآمور ربما لن تمضي على خير كما يدعون و هم يستعملون قاموس ثقافتنا الممتلئ بعبارات التفائل المفرط و الغير مبرر. والطامة ان الكورد افتتحوا مزاد سوق المحاصصة مبكرا بأصرارهم على كوردية الرئيس العراقي والبقية تأتي… وجيب ليل واخذ عتابة.