23 ديسمبر، 2024 1:59 م

المجهول والمعلوم في مسيرة التأريخ‎

المجهول والمعلوم في مسيرة التأريخ‎

التأريخُ يسيرُ بمعنى أنه يمضي نحو غايته لا يلتفتُ إلى ورائه أبدًا ، تقوده القوانينُ التي تؤطره في إطارِ مجموعةٍ من الحوادث التي رسمت شمائله و لوّنت تقاسيم وجهه بألوان الحزن والألم أو تغريدة من عالم السرور ، وفي نهايةِ الأمر تتحققُ البداية ، إذ لولا وجود غاية ما لما كانت هناك بداية ، وبصرفِ النظر عن تلك الغايةِ أكونُ و يكون معي مَن يكون في رحاب سنن التأريخ ، تشملُني صباحًا و مساءً ، تشدني إلى غايتها.

ما أعلمه أني هنا وقبل ذلك لم أكن وبعد حينٍ لن أكون ، علمٌ لايساوره الشكُ يصلُ بعالِمهِ حدودَ اليقين ، بيد أن المجهول هنا تسيّد الموقف مبتدئًا من كوني لماذا أنا هنا و في هذه النقطة بالذات من مسار التأريخ ؟ وهل في اليد حيلةٌ بالخروجِ عن هذه المسيرة التي تحثو بأهلها ليلاً و نهارًا وكأنما فُزعت من غول ؟ مسيرةٌ لم يسبق لها أن عقدتْ صفقة انتظارٍ مع أحد ، وماذا لو كنتُ في نقطةٍ أخرى هل سيتغير المسمى أم ستبقى حروفه على ما هي عليه خاليةٌ من التنقيط ؟ لكني لو أضفتُ ما أعلمه لِما أجهله قد أُغيرُ مسيرةَ التأريخ … وياللعجب .

فهي وإن كانتُ عجلةٌ تتجهُ بي و مَنْ كان على شاكلتي إلى نهايةٍ لاتختلفُ كثيرًا عن مثيلاتها، على أن وجداني يعي أنني سأغادرُ هذه المسيرةَ عمّا قليل ، فماذا لو سبقتُ التأريخَ إلى أجلي و فاجأتُه بأني سأبقى حيًا ها هنا و لتمضِ القافلةُ  فإنها لن تستطيع المضيِّ بدوني ، فبعد أن كنتُ هامشيًا أدركتُ أن ما أحملَه من قيمٍ و أفكار هو سرُّ خلودِ أمتي ؛ لأنها ليستْ مجردَ كلمات ترددها باحات النوادي أو صيحاتٍ تُطلقُ من على منصات سوح الميدان ولعلها تموت بين سطور مؤلَفها ، وإنما هي كلمةُ التزامٍ صادقة أمام الموقف الشاهد ، يخرجُ بها مُبدعها من هامش النسيانِ إلى جوهر الإنسان ، فتكون بذلك حافزًا و دافعًا لأن يتمثلها الآخرون ، فتحيا بها أمتي بعيدًا عن شلال الاحتضار .

 قيمٌ تبدأ بإحياءِ الإنسان و احترام الإنسان و محبة الإنسان وتثويره على مظاهر التحلل و الانحدار ، ليكون بها نبراسًا لأمةٍ يُرجى لها أن تكون خير أمةٍ أُخرجتْ للناس ، قيمٌ لن تبصرَ النورَ مالم يفي أبناؤها بوعدهم في ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) حتى تتغيرُ مسيرةُ التأريخ وتبدأ بالدوران كم أُريد لها أن تكون بحق إلى نهاية استيراث الأرض من دولة المستضعفين، فهل سنبقى في دائرة المجهول تتلاعبُ بنا رياح التغيير كما يحلو لها لنكتفي منها بالملبس و المأَكل ، أم أننا سنمضي من المعلوم و نفي بوعدنا فنسبق التأريخ ونصنع المستقبل .