مسيرة الفكر الانساني من المعلوم الى المجهول, بدأت تساؤلاً نتج عن حيرة ودهشة الانسان ,وهو يتأمل الأشياء من حوله, ويرى الظواهر المحيطه به, وانتقاله من اكتشاف الى آخر, وتطور معرفته من خلال ذلك التفاعل والمعايشه مع واقع الحياة ,واستمرار التفكير بتلبية الاحتياجات والسعي نحو الوصول الى ايجاد مستلزمات العيش من طعام وسكن وملبس .. الخ , فكانت الحضاره رحله قطعها الانسان عبر هذه الحقب الزمنيه الطويله, وكانت البدايه تساؤلاً كما قلنا وبحثاً عن اجوبه وتفسيرات وحلول لما واجه الانسان من اشكاليات وظواهر وصعوبات مختلفه , وهكذا كان السؤال نقطه الانطلاق في حياة الانسان نحو الاكتشاف والمعرفه والبحث والاستنتاج وربط الظواهر والاسباب والتوصل الى حقائق كانت حجر الزاويه في بناء النظام المعرفي , وفي ايجاد قاعده رصينه من الاستنتاجات التي شكلت فيما بعد دليلاً للأجيال اللاحقه من العلماء والمفكرين وهم يواصلون مسيرة اكتشاف المجهول .
حياتنا لو دققنا عباره عن اسئله تواجهنا وتلح علينا في تقديم اجوبه , واشكاليات تطالبنا بأيجاد حلول , وظواهر تبقى مجهوله امامنا ما لم نخضعها الى التفسير , ويغلف حياتنا الابهام والغموض ان لم نمتلك التعبير .
عندما نقف امام لوحه فنيه ونتمعن فيها تثير فينا سيلاً من اسئله تبحث عن اجوبه تفك لغز اللوحه وتوضح لنا ما يريده الفنان من خلال الوانها , وتقاطيعها , وخطوطها , ورموزها , وقد تخطر ببالنا اجوبه وتفسيرات وفق رؤيتنا وتصورنا .
في حياة اي فرد منا لوحه فنيه تعكس الواقع وتطرح اسئله علينا الاجابه عنها , وبقدر ما تكون اجاباتنا صحيحه كان فهمنا لواقع حياتنا صحيحاً .
من السؤال يبدأ تفكيرنا الباحث في شتى شؤون الحياة , وبالاجابة نتوصل الى حقائق لم نكن نعرفها من قبل وبين السؤال والاجابه تتولد لدينا المعرفه , وتتضح امامنا كثير من الحقائق .
انكار السؤال هو ادعاء العلم بكل شئ وهو ادعاء باطل بالبديهه العقليه التي لايمكن لأي فرد ان ينكرها , لأن الانسان مهما اوتي من العلم لايمكنه ان يحيط بكل جوانب المعرفه بل يبقى ما اوتي قليلاً وما عليه الا ان يظل ساعياً نحو العلم والمعرفه , لذا كان الحوار بين أهل الفكر تلاقح في الآراء , وتشاور في التفسيرات , وتحكيم العقول في الادله , وكان السؤال ماده لكل حوار وأداة استخراج كل جواب .
ومابين أيدينا من تراث عمالقة الفكر يشير بوضوح ما للسؤال من قيمه وما للجواب من اهميه في توليد حقائق معرفيه اغنتنا وامتعتنا وانارت لنا كثير من جوانب الحياة .. وعندما نتأمل في كتب المحاورات بمختلف أنواعها نكتشف ان المعرفه برمتها عباره عن سؤال وجواب .
بين العالم والجاهل , المعلم والتلميذ , الطبيب والمريض , البائع والمشتري .. الخ يظل السؤال وسيله مهمه لاغنى عنها في ايجاد ذلك التفاعل المؤدي الى اغناء الحياة وايجاد ظروف ملائمة لمعيشة بني البشر .
في حياتنا اليوميه كثير من المفردات التي لاغنى عنها عباره عن اسئله بها تتقوم بها صلة الانسان بأخيه الانسان وينشأ عنها ذلك التفاعل والحوار الذي يبدد الملل والضجر نتيجة انس الناس ببعضهم وكانت جوانب المعرفه الانسانيه بكل اشكالها تعبيراً وتجسيداً لذلك الحوار وتأكيداً على ان الامم والشعوب ما تخطت هذه العقبات ولا استطاعت ان تقيم صرح الحضاره الابذلك التواصل المعهود بين اهل الفكر والعلم في كل زمان ومكان .
فالسؤال نافذه نطل منها على افكار واراء الاخرين وتفتح امامنا افاق رحبه للفهم والمعرفه والتطلع الى مزيد من سعة الاطلاع بما يعين على اغناء تجاربنا ويضيف الينا خبرات قد نكون في امس الحاجه اليها من اجل تنوير جوانب مختلفه من حياتنا .
لقد اسهمت تساؤلات ايليا ابو ماضي والمعري والخيام وشكوك ديكارت وغير اولئك اسهمت في اثارة مواضيع وفتحت نوافذ كان لها كبير الاثر في ظهور كم هائل من الانتاج الادبي والفكري وأتاحت فرص كبيره للتفاعل الانساني وخلق نقاط التقاء وأواصر فكريه لازلنا مشدودين اليها وتشعرنا بأن التفكير الانساني يصدر عن ذلك التفاعل بين الانسان وما يحيط به من ظواهر وأحداث في كل مرحله من مراحل التاريخ .
ومن يتأمل في ما اثارته محاورات جمهورية افلاطون من اسئله وأجوبه يجد فيها افكار واراء تمثل اصاله حقيقيه وتبرز غزاره العقل الانساني ومعالجه لجوانب اساسيه في حياة كل مجتمع .
حاجتنا للسؤال تبقى قائمه مادام هناك مجهول نريد ان نعرفه .. ويبقى السؤال النافذه الاولى للمعرفه . والله الموفق .