التهميش والاقصاء الذي عاشه تركمان العراق بعد عام السقوط 2003 صار يلازم هذا الشعب عبر الحكومات المتعاقبة حتى يومنا هذا. واللوم الذي يقع على الأحزاب السياسية التركمانية في هذا الخصوص لا يقل إن لم يزد عما يتحمله أصحاب الحصص الكبرى في عملية المحاصصة الطائفية التي لا زالت تشكل نواة الإدارة في العراق. فغياب الاستراتيجية التركمانية والمشروع التركماني الموحد فضلا عن الاختلاف الايديولوجي بين الاحزاب التركمانية والمصالح الشخصية إضافة الى العوامل الخارجية كانت من اهم الاسباب التي حالت دون حصول التركمان على حقوقهم، والسياسيون التركمان يعرفون هذا حق المعرفة. وفي رأينا فان عدم وجود مرجعية تركمانية تحظى بمشروعية لدى الاغلبية كانت واحدة من اهم أسباب تشتت الجهد السياسي التركماني في العراق، وهو ما ادى الى ضياع حقوق التركمان وتهميشهم بشكل تعسفي لم يحصل لأي قومية او طائفة عراقية أخرى.
لم تبادر اية جهة سياسية تركمانية بشكل جدي من اجل تأسيس مثل هذه المرجعية. كانت هناك بعض المحاولات التي كانت مجرد ردود افعال على سياسات معينة لأطراف معروفة اثارت حينها غضب البعض من المسؤولين التركمان، فجاءت تلك المحولات ميتة قبل ان تولد. واخرها كانت الهيئة التنسيقية العليا التي شكلتها مجموعة من الشخصيات ورؤساء الاحزاب التركمانية، ولكنها بقيت مشلولة الحركة محدودة التأثير، فلم ترقى الى ابسط مستويات الطموح. وخير دليل على محدوديتها وفشلها هو غياب دورها في مراحل حرجة وصعبة عاشها التركمان في قضاء طوزخورماتو يوم 16 تشرين الأول، حين قدمت طوزخورماتو قافلة جديدة من الشهداء في هذا اليوم، فلم تستطع الهيئة التنسيقية حتى من تلاوة بيان استنكار عما جرى.
أما ما يسمى بمجلس التركمان فما هي الا مؤسسة تابعة الى للجبهة التركمانية العراقية، وقد بقيت مجرد اسم بلا محتوى فعلي او فعال، ولم يستطع المجلس فعل أي شيء ملموس من اجل الأوقات المصرية التي مرت على التركمان وما اكثرها، سوى بعض الاجتماعات لم تنجح في اصدار أي قرار له ثقل. بل الادهى هو ان مجلس التركمان المذكور فشل حتى في القيام بدوره الرقابي على الجبهة التركمانية العراقية نفسها.
ان سرد تلك الحقائق ليس انتقاصا او تسفيها لاحد فكل جهد مهما كان متواضعا يجب ان يشكر عليه. ولكننا ملزمين بالإشارة الى الفشل حتى لا يتكرر، ولكي يتم تفادي تكرار مثل تلك التجارب، وان لا نقع في نفس المصيدة التي عادة ما يقع فيها السياسيون التركمان وهو الابتعاد عن الاسلوب العلمي السليم والإصرار على المضي في طريق الاخفاقات لانهم لا يحبذون مراجعة السلبيات.
ان تأسيس مجلس تركماني يمثل صوت التركمان في العراق بات مطلبا جماهيريا يرى فيه الشعب التركماني صوته الذي به يستطيع الوصول الى الرأي العام العراقي والعالمي. ومن خلاله يستطيع اجبار الحكومات العراقية على الاستجابة لمطالبهم المشروعة. ولكن أي مجلس هذا الذي ينتظره الشعب التركماني؟
ان بقاء مصير الشعب التركماني بيد حفنة من السياسيين تسبب ولا يزال في ضياع الحق التركماني في كل المحافل وعلى كل المستويات. واخرها منصب الوزير في حكومة العبادي وعضوية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومستشارية رئيس الجمهورية والوزراء ومناصب اخرى كثيرة. هذه الحالة المأساوية التي وبالتأكيد لا يرضى أي مواطن تركماني شريف استمرارها، أصبح لزاما إيجاد حل نهائي لها، احتراما لكل تلك الدماء الزكية التي اريقت من اجل القضية التركمانية. لذلك يجب وضع الخلافات والمصالح الشخصية جانبا والتوجه فورا دون تردد نحو تشكيل مرجعية تركمانية موحدة وفق الآلية الاتية:
اعضاء المجلس: لكي يحقق المجلس اهدافه يحدد العدد المطلوب لأعضاء المجلس، على ان يشمل اعضاء البرلمان ورؤساء الاحزاب التركمانية فضلا عن ممثلين من جميع مناطق تركمن ايلي يتم ترشيحهم حسب ثقلهم الاجتماعي من مثقفين او كتاب او أكاديميين او متقاعدين من القضاة او المحامين والناشطين والمستقلين من الرجال والنساء.
يكون العمل في المجلس تطوعي أي دون مقابل مادي، ويعتمد تمويل المجلس على تبرعات الشخصيات التركمانية اصحاب الشركات او المقاولين التركمان والاعضاء باشتراكات شهرية وكل تركماني يريد المساهمة في دعم المجلس.
اعتماد ميثاق بمثابة دستور يتم الاتفاق على وضعه من قبل لجنة تخصص لكتابته يضع الخطوط العريضة لكل ما يخص تركمان العراق داخليا وخارجيا.
تعطى للمجلس صلاحية واسعه منها مناقشة كل حالة تخص التركمان سياسيا اقتصاديا اجتماعيا على ان يتم اتخاذ القرارات التي تهم المصلحة التركمانية العليا، من ضمنها الترشيح لشغل المناصب في الدولة العراقية.
يكون المجلس جهة رقابية على اداء البرلمانيين واصحاب المناصب من التركمان في الدولة العراقية.
اعطاء مشورة بعد مناقشة الملفات التي تخص التركمان في البرلمان العراقي للبرلمانيين التركمان.
يعتمد الية التصويت على الحالات التي تحتاج الى اتخاذ قرار بشأنها ويكون الاتفاق على المبدأ المتفق بالأكثرية في التصويت.
يكون قرارات المجلس ملزما على الاحزاب السياسية والبرلمانيين والمسؤولين التركمان في الدولة العراقية.
للمجلس صلاحية تشكيل لجان متخصصة حسب الحاجة التي يرتئيها الوضع في العراق بما يتناسب مع مصلحة التركمان العليا.
على الرغم الوضع المزري الذي يعيشه التركمان في العراق لكننا متيقنين ان الوقت سياتي وتتجه بوصلة التركمان في الاتجاه الصحيح ويحصل التركمان على استحقاقهم مثل باقي القوميات في العراق. ونعتقد جازما ان ولادة المجلس التركماني ستكون بداية الحصول على الاستحقاق القومي كمكون ثالث في العراق.
ان تأسيس المجلس التركماني في الوقت الحاضر من المؤكد سيلاقي بعض الصعوبات والمعوقات داخليا وخارجيا ولكنها عملية ليست مستحيلة، فداخليا نستطيع القول ان وجود بعض الخلافات بين رؤساء الاحزاب التركمانية من جهة وتأثير بعض الاحزاب الكبيرة التي ينضوي تحتها بعض الشخصيات التركمانية والعمل معها باسم التركمان يصعب عليها الخروج من اوامر وتعليمات تلك الاحزاب او اتخاذ أي قرار من دون موافقة مراجعها.
خارجيا هناك أطراف ليس من مصلحتها وجود مرجعية تركمانية مستقلة في قراراتها، وان بقاء التركمان مشتتين يسهل عليها تطبيق اجندتها على حساب الشعب التركماني، فعلى بعض القيادات التركمانية ان تعي هذه الحالة وان تتخذ قرارات شجاعة من اجل مستقبل شعبها ووطنها.
نرى من الاهمية توضيح امر تشكيل المجلس على الكتل من الاحزاب العراقية فضلا عن الدول المجاورة وكل من له علاقة بتركمان العراق قوميا وعقائديا ليكون رسالة اطمئنان لتلك الجهات بان هذا المجلس هو من اجل توحيد الراي التركماني ومن اجل الحصول على الحقوق المشروعة قانونيا في العراق الديمقراطي ليس الا.