ليس من الغرابة في بلد كالعراق أن يحاول معالجة مشاكله الرئيسية ، وهي كثيرة ، وذلك من خلال إتباع طرق ووسائل وإجراءات قد تنم فعلاً عن مدى غباء وضحالة تفكير هؤلاء السياسيين الذين يتخذون القرارات المصيرية للبلد عند معالجتهم لتلك المشاكل مستندين على واقعهم وواقع المجتمع المتخلف من جميع النواحي ومن جميع الزوايا . فأمام المشاكل التي واجهت العراق شعباً وحكومةً أُتخذت عدة قرارات وسُنت التشريعات والتي كان من المفترض أن تُعالج من خلالها تلك المشاكل . وبالرغم من تهيأة مثل تلك التشريعات والقوانين لمعالجة مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا إن نتائج تطبيقها كانت سلبية وبعضها كارثية على المجتمع العراقي عموماً. أمثلة عديدة على ذلك منها على سبيل المثال قانون الإنتخابات الذي يستهدف أساساً تنظيم عملية الإنتخابات على أسس سليمة تضمن نزاهة وحرية الانتخابات ، إلا إن ما تحقق هو عكس ذلك حيث عمليات التزوير وشراء الذمم وأساليب التهديد والترغيب والتلاعب والتشكيك بالنتائج وحرق صناديق الإقتراع كلها دلائل على إن القوانين والتشريعات لا تعني شيء أمام الممارسات الفعلية لرؤساء الأحزاب والشخوص والرموز والمرجعيات المؤثرين والمُسّيرين للعملية السياسية حسب مصالحهم وأهوائهم . ويرتبط بهذا الجانب أيضا ما يتعلق بتشكيل مجلس مفوضية الإنتخابات وما رافقها من مشاكل أدت الى تعطيلها بحجة تواطئها بتزوير الإنتخابات . كذلك تشريع قانون العفو العام الذي يفترض أن يهدف الى تحقيق المصالحة الوطنية إلا إن إسلوب تطبيقه أدى الى نتائج سلبية . أيضاً تشكيل هيئة النزاهة بقانون ، وهي هيئـة حكوميـة (رسمية) مستقلة معنيـة بالنزاهـة العامة ومكافحـة الفساد والتي يفترض أن تعالج كل أشكال الفساد الإداري والمالي ، إلا ان النتيجة والحصيلة كانت وما زالت إنتشار الفساد في معظم مفاصل الدولة وعلى مختلف المستويات بحيث أصبح العراق يتربع عرش الفساد في العالم ، والأغرب من ذلك إعتراف جميع المسؤولين والسياسيين والرموز العراقيين بإستشراء الفساد وبأنهم جزء من هذا الفساد . ولم يتم محاسبة أي من الفاسدين الكبار ، وهم كثر ، لأنهم هم من يُديرون ويشرفون ويوجهون جميع مفاصل الدولة ويشكلون جميع الهيئات والمفوضيات واللجان وغيرها . إذاً المشكلة والنتيجة واضحة ، حتى للأغبياء والجهلة ، وهي إن العيب ليس بالقوانين أو التشريعات وإنما في الهيئات والمفوضيات واللجان والتشكيلات والمجالس ( وغيرها تحت أي من المسميات ) ومن يشكلها ويديرها ويشرف عليها ويتابعها . أي أن العيب في الأشخاص وليس في المؤسسات وقوانينها .
وهنا جاء القرار الذي إتخذه مجلس الوزراء برئاسة عادل عبد المهدي بخصوص تشكيل ” المجلس الأعلى لمكافحة الفساد ” ليضيف فصل جديد للمسرحية السياسية الهزلية في العراق ليتم إستغفال العراقيين ببعض جرعات التخدير للوعي والإدراك العراقي ، وهو ( أي المجتمع العراقي ) بالأساس مخّدر ومغيّب في معظمه . إن قيام رئيس الوزراء بتشكيل مثل هذا المجلس ينم إما عن جهله وعدم إدراكه للواقع السياسي في العراق أو إنه جزء من المسرحية السياسية ( وهو الإحتمال الأكبر ) ، وهو يعلم جيداً ويقيناً بأن من سوف يشكل ويدير ويشرف ويتابع كل مهام وواجبات مثل هذا المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر هم أنفسهم تلك الفئة الحاكمة ومن يساندها متهمون جميعاً ، وبدون إستثناء ، بالفساد عموماً . ألسؤال المنطقي هو كيف يستطيع مثل هذا المجلس من أداء مهامه بكفاءة وشفافية وحيادية لمحاسبة جميع المتهمين بالفساد إبتداءً بالكبار . المنطق والحقيقة يشيران بأن تشكيل مثل هذا المجلس ما هو الا عبارة عن تأجيج نار التبن التي تُخمد بعد بعض دقائق . أعضاء المجلس الأعلى لمكافحة الفساد سيتم تسميتهم من قبل الأحزاب والشخوص المؤثرة في المشهد السياسي عموماً وسيكون هذا المجلس حلقة مضافة الى ممارسة الفساد إدارياً ومالياً . وبذلك سيكون رئيس الوزراء هو شخصياً جزءً من منظومة الفساد الإداري والمالي برغبته أو رغبة من نصّبوه .