القوى الماضية في العدوان والإستعباد والإستحواذ جعلت الكلام عن الوطن أشبه بالخيال , أو ربما نوع من المزحة والضحك على الذقون.
فالأدب الوطني وكأنه ممنوع أو لا يُقرأ , فالوطن بمعانيه المعاصرة مغيّب , وفاقد لأهليته السيادية والقانونية والإدارية , ومنزوع الإراد ومحكوم بالفساد الذي تحول إلى عقيدة وأكثر.
والكتابات الوطنية لا تجد مَن يقرأها , أو يشجع على كتابتها , وإنما المطلوب هو الكتابات الإنفعالية العدوانية التي تتناول هذا وذاك , أو كتابات “على حس الطبل خفن يا رجليه” , ولهذا يحجم الكثيرون عن الكتابات التي تفوح منها الروح الوطنية ومعانيها السامية , لأنها نوع من الفنتازيا أو أحلام اليقظة , وكأن الذي يكتبها يطارد خيط دخان!!
قد لا يتفق البعض مع ما تقدم , لكن إحصائية سريعة لما يُنشر في المواقع يكشف أن مقروؤية الكتابات الوطنية قليلة جدا , بالمقارنة بالكتابات التي تتناول الأشخاص والمواضيع البغضاوية.
ومع هذا , لابد للإرادة الوطنية الحرة أن تتواصل في تفاعلاتها , وتعبيرها الصادق عن روح الوطن وجوهر الوطنية ومعاني المواطنة الصالحة , لأن الذي يجري ما هو إلا زوبعة في فنجان التأريخ الوطني والمسيرة الحضارية للمواطنين , وستنجلي حتما , وتنهزم دوما , ويبقى الوطن عزيزا مجيدا.
فعندما نطلّع على تأريخ بلدان أقل عمقا من بلادنا بحضارتها وتأريخها , ندرك بأننا الأقدر على الخروج من أصفاد المحن مهما إشتدت وتعاظمت , وأن الإنسان الحضاري الذي يتوطنه سيلد ذاته وجوهره من جديد ويكون كما كان على مر العصور.
الوطن يبقى ويحيا ويرتقي ويكون , وسيذهب مَن يذهب ويأتي مَن يأتي , لكن الوطن هو الثابت الراسخ في قلب الأرض وعمق الكون , ولا يمكنه أن يفقد ملامحه وسماته الحضارية الفارقة , ولن يتمكن أبناؤه من العيش إلا سويةً مهما توهم بعضهم , وتصور بأنه يمكنه أن يكون عزيزا كريما وسيدا إذا إنسلخ منه.
فالوطن بدن حي , فهل رأيتم بدنا يمكنه العيش من غير تفاعل أعضائه وسلامتها , فلا يمكن للبدن البشري أن يبقى من غير رئتين أو قلب أو كبد وكليتين , لا يمكن هذا على الإطلاق , إلا بالإستعانة بعضو إصطناعي أو منقول , ومع هذا فأنه سيحتاج إلى متابعة علاجية وأدوية مدى العمر.
وعليه فأن الوطن الذي يكابد القاسيات سيولد في ميادينها أكثر قدرة على التفاعل الحضاري المعاصر , وأشد لحمة وتماسكا مما يُراد تصويره وتثقيف الناس عليه , فالجينات الوطنية تمتلك ذاكرة حية ومعرفة أصيلة , وقدرات عالية على التجدد والتحسن والإرتقاء , فلا يمكن إخراس الطاقات الجينية الكامنة في الإنسان , ولا بد لها أن تعبّر عن نفسها , ولو كتمَتها أو كبلتها الظروف المصطنعة من قبل الآخرين الطامعين بالوطن وأهله.
وهكذا فأن الوطن يتكلم بلسان حقيقته وطبيعته ومنهجه المنير الذي أضاء ظلمات البشرية , وعلمها الكتابة والقانون والدين.
وطن بهذا الحجم الحضاري والثراء المعرفي والقدرات الإبداعية , لن ولن تنال منه العاديات , ولن تصرعه إرادة المعادين الغاشمين الذين يحسبون إمتلاكه صار صِرفا , وأنه ضيعة من ضياع الأحلام والخيالات الإمبراطورية.
المجد للوطن الخالد الحي العزيز المنتصر المبدع , المظفر بالأمل والإصرار على الصيرورة والتجلي والتحدي الفائق الباسل الكرار!!
المجد لقلب الأرض وينبوع أنوارها المشعشعة في الآفاق!!
المجد للوطن العراق!!!