23 ديسمبر، 2024 2:36 م

المجتمع العراقي …. بين سيف العنف ونطع صراع السلطة

المجتمع العراقي …. بين سيف العنف ونطع صراع السلطة

إن تفاقم العنف وما يتمثل فيه من جرائم التفجير والقتل والسرقة والسطو المسلح وفي وضح النهار يجعل بيئة المجتمع في حالة إحساس مستمر بخطر يهدف الى قتل زهرة الحياة على الأرض ( الإنسان) ، او إثارة رعب يطفئ وهجها ، من خلال لعب مثيروه أدوارهم بمهارة كبيرة. فالقاتل منهم يقتل من يشاء ومتى يشاء والسارق يسرق ويسطو على من يشاء ومتى يشاء . تحقيقاً لهدف يتمثل في رؤية وطن منهار وتنمية متعثرة في كل جوانب الحياة سواء الإدارية ، الاقتصادية،الثقافية، العلمية والاجتماعية . اثر خلق بيئة غير مستقرة تزداد التوترات الاجتماعية في نسيجها ليتحول السلوك العام فيها إلى أزمة شاملة تعصف بوجوده . لما يحدثه خطر العنف من تأثيرات تطرأ في تفكير أفراده باتجاه سلوك قد يخرج عن السيطرة ، اثر الانفعالات والمؤثرات النفسية والاجتماعية التي ينتج عنها فقد ثقة الفرد والمجتمع بذاته . ليصبح بعد ذلك ممزقاً ،متخلفاً، ضعيفاً . أفراده مشمئزين ، مستفزين ، حائرين. يتنامى الإحباط في وسطهم من خلال رؤيتهم للأمور بمنظار اسود يغشي ظلامه عيونهم ، فلم يعد ينظرون بهجة في حياة او ومضة لأمل . ليقعوا بالتالي فريسة لحرب نفسية يفرزها العنف تزيد تحفيزه وتقرب مثيروه من هدفهم وغايتهم بعد ان تعمل هذه الحرب في عقول أفراد المجتمع ثم السعي على التأثير في اتجاهاتهم لتغير سلوكهم كنتيجة نهائية للانفعال الشديد ومشاعر فقدان الأمن والقلق والحيرة والرعب . ليصبح الوصف الدقيق لهذه البيئة هو العتمة في وضح النهار ولتصبح حاضنة للعنف ومؤامرات لا تخمد وتخندق قومي او طائفي او مناطقي ( كل يريد جذب النار لكرصته) .ولم يعد يسمع بينهم صوت للتسامح والرحمة والشفقة وتتفكك الهوية الوطنية التي أثبتت تجارب الأمم بأنها أساس قوة الدول. لتعم الفوضى التي هي طموح مثيري العنف او ممن يأتمرون بأمره من مخابرات الدول الأخرى لتنفيذ إستراتيجية الفوضى الخلاقة التي هي صيغة جديدة لمبدأ الاستعمار القديم ( فرق تسد).
   ويمتد خطر العنف لدى أفراد المجتمع إدراكا بعجز السلطة عن توفير الحماية لحياتهم وممتلكاتهم وارتباكها في توفير إجراءات وقائية تجنبهم هذا العنف .مما يؤدي الى وضعها في دائرة التواطؤ اثر تنامي الشعور بعدم مشاركة أشخاصها لآلامهم ومعاناتهم جراء سلوكياتهم التي يتمثل فيها الصراع والنزاع والتناحر وبصورة تنافسية عنيفة تصل الى مستوى سعي بعضهم لتسقيط البعض الآخر ابتغاء لتحقيق الامتيازات والمصالح الفئوية وظهور اللؤم والنفاق عندهم ولو بوسائل تتبنى سلوك أفراد المجتمع نحو السلبية اثر فسح المجال للمنافقين المتزلفين اللذين يسيرون خلف نوازعهم ويعملون على تشويش تقدير الأمور لتبنيهم المحسوبية والمنسوبية التي تتمثل بالمحاباة والتمييز والتحيز لتصبح العلاقات ترفع وتدني لتنعدم المساواة وتكافئ الفرص وتؤد الكفاءات سواء في مؤسسات الدولة او في مجال تقديم الخدمة العامة . مما ادى الى ظهور طبقتين اجتماعيتين ،طبقة ترفعها العلاقات لتسطع عليها الأضواء اثر استحواذها على المال والجاه والمناصب ، وأخرى تدنيها هذه العلاقات لتكتنفها نيران العوز التهميش والقلق . مما أدى الى فقدان التضامن الاجتماعي في البيئة الاجتماعية وبالتالي فقد المحبة والتسامح والاحترام المتبادل واختلال قيم المواطنة حتى الثابتة والبديهية منها. ما جعل أفرادها مهزومين من داخلهم فاقدين الثقة في الحكومة مع ضياع ملامح المستقبل في ظلها .مما يفقدها الاحترام وكذلك فقدها لأصل من أصولها اثر ظهور مورد بشري متهالك لا قدرة له على العطاء والتفاهم معها بعد إدراكه انعدام برنامج إستراتيجي عملي لديها لإعادة بناء الدولة في جميع الاتجاهات لغياب التجانس في عناصر إستراتيجيتها وغياب الصدق والصراحة بين أعضاءها وزيادة مظاهر الكراهية بينهم .
  وكعينة ونموذج لما وصل إليه المجتمع ، ما واجهته من صراع نفسي اهتزت على أثره قدرتي على التركيز واضطراب التفكير بسبب شرارة طالتني من نار العنف . ففي صبيحة احد الأيام الماضية غادرت بيتي بعد ان أحكمت قفل أبواب الغرف والأبواب الرئيسية لسفر عائلتي الى إحدى المحافظات لأداء واجب يقتضي تأديته . وعند عودتي بعد الظهر فوجئت بأبواب وغرف البيت وقد كسرت إقفالها وتناثر أجزاء من خشبها إلى درجة التشظي اثر رفسها بقوة تدل على وحشية وشراسة الفاعلين . وأبواب (الكناتير)مفتوحة وكذلك جرارات الدواليب وقد تبعثرت محتوياتها وتناثرت الحقائب والعلب وحافظات الأوراق وهي فارغة على أرضية الغرف .ولشدة ما أصابني من ذهول هول الموقف شعرت بضيق صدري وصعوبة التنفس واخذ الإعياء يدب في جسمي ولم يعد أمامي إلا أن أتكلف الصبر والقوة لأتجول في الغرف لمعرفة المسروقات .وكانت مبلغ من المال قدره(2) مليون دينار كنت ادخرها للطوارئ وحاسبتي الشخصية (اللابتوب) وكذلك ساعة يدوية تمثل ذكرى عزيزة عندي لأنها كانت هدية فوز بحثي للتخرج في السنة الرابعة لدراستي الجامعية بالمرتبة الثانية وبدرجة امتياز .وكأن هذا الزمن الساخر رغم مصائبه وماسيه أبى إلا أن يجردنا حتى من ذكرياتنا الجميلة .
  حضرت مفرزة من الشرطة وكذلك أفراد من الأدلة الجنائية للتحري عن جريمة السطو والسرقة هذه . قاموا بإجراءات كشف الدلالة ، سألتهم بعدها ، وماذا بعد ذلك ؟ كان الجواب ، أنهم قاموا بما يتطلبه عملهم . كان لسان حالهم يقول (قيدت ضد مجهول) .لتصبح هذه الجريمة مجموعة أوراق تضمها اضبارة  ستركن الى جانب الأضابير المشابهة . وسيفلت الجناة اللذين انتهكوا حرمة بيتي وحطموا أبوابه وأثاثه وسرقة ممتلكاتي من العقاب .
   عندها بدأت ردود الفعل تتجسد عندي باهتزاز قيم طالما كنت افتخر بها اثر الإحباط الذي أصابني بالوهن والإعياء . بدأت بتغيير نغمة هاتفي النقال التي كانت موسيقى نشيد (موطني)، أصبحت اتامل الوجوه وكأني أرى وجوه السراق ، واعتزلت المشاركة او المساعدة في أي نشاط اجتماعي، واعدت النظر في الروابط  الإنسانية وبناء روابط جديدة ولكن مع الطيور والحيوانات حيث اشتريت بلبلا استأنست بتغريده وكلب التمس فيه الوفاء . اخذ شعوري يتنامى بطاقة الفيض والغضب تجاه ما حدث من تدمير لبيتي وسرقة ممتلكاتي والتي لم أجد متنفساً لها . مما اضطرني لبيع البيت وشراء قطعة ارض في منطقة بعيدة عن ضجيج وصخب وعنف المدينة ولو نسبياً وشرعت ببناء بيت عليها . عسى أن يكون في ذلك تحقيقاً للسلام على الأقل مع نفسي في بيئة مشحونة بالاضطراب والتوتر وتشويش التفكير اثر هذه الحرب المسعورة التي أعلنها العنف والتي تمثل فيها كل أساليب البغي والشر كنهج لحرب نفسية يتعرض لها المجتمع والتي تستهدف عقل الإنسان ونفسيته وليس جسده وممتلكاته فحسب . والتي لو أدرك السياسيون خطرها لناوأ بأنفسهم عن التنازع والتناحر والصراع وسخروا الإمكانيات الإدارية، الاقتصادية، الثقافية، العسكرية والأمنية.وفق منهج علمي ورفدها بأشخاص يتميزون بالمهنية والاحتراف والمؤهلات العلمية وبإطار من شهامة البطولة وقيم المواطنة والمصلحة العامة ينأون بأنفسهم عن كل اعتبار سياسي او فئوي ( طائفي او قومي او مناطقي ) ليساهموا جميعا في درء خطر العنف الذي يسعى لفرض إرادته وتهديد سلامة الوطن ويفتك بحياة وممتلكات المواطنين . لان الرد الرادع على مثيريه يتمثل في سعي الجميع للعمل على إصلاح أمور البلاد ، لان كل إصلاح في أي مجال عثرة في طريقهم للوصول إلى أهدافهم البغيضة الخبيثة.
  وحسبنا قول الشاعر:-
                            لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم                      ولا ســراة لهم إذا جهالهم  ســادوا
                            تهدأ الأمور بأهل الرأي ما صلحت                       فان تولـت فبلا شرار  تنقـــــــــادُ