23 ديسمبر، 2024 12:19 م

المجاملات النقدية وأثرها على المشهد الأدبي في العراق

المجاملات النقدية وأثرها على المشهد الأدبي في العراق

. ما معنى ان تكون ناقدا ؟ سؤال طالما طرحه كثير من النقاد على أنفسهم وهو سؤال لا يخلو من إضمار الدوافع النفسية والميول الثقافية التي ترتبط بالأنا الخاصة بالكاتب ، لكنه يبقى سؤالا محوريا في العملية النقدية ولو حاولنا صياغة السؤال بشكل اكثر وضوحا سيكون وفق الشكل الاتي :ما الذي يميز الناقد عن غيره من الكتاب والمؤلفين ؟ ،وللإجابة على ذلك يتوجب علينا أولا ان نضع عدد من التعريفات التي توضح مفهوم النقد كممارسة إبداعية وفنية ومعرفية ترتكز في بنائها على فعل إعادة الإنتاج الثقافي بكل إشكاله . فالنقد عند الناقد والمفكر (علي حرب) هو : ( عملية فكرية تساعدنا على فهم ما نقول وما نقراء من النصوص ومن ثمة مسألة وكشف وتفكيك وتعرية تلك النصوص عبر آليات علمية ومعرفية تهدف الى تحديد المنطق او المنهج الذي بنية عليه تلك النصوص او الخطابات )) ، أما الناقد العراقي الدكتور (علي حسين يوسف) فقد عرف النقد بأنه : ( عملية فكرية وإبداعية ساحة اشتغالها النصوص ايا كانت ، تهتم بتوصيف تلك النصوص وتحليلها وتقويمها ، ومن ثم اعادة قراءتها على وفق رؤية يفترض ان تقترب من الموضوعية والعلمية ) .
وعليه فالنقد على وفق هذا التصور :هو فاعلية تهدف الى كشف أنساق تعاملاتنا مع النص بوصف النص في جوهره خطاب موجه الى جمهور معين . ان المتتبع اليوم للمشهد النقدي العراقي المتمثل بالخطاب النقدي الأدبي في الصحف والمجلات والمنتديات  بالتحديد يجدان الفعل النقدي قد تحول بفعل التنظير  الى ساحة للمناكفات والاتهامات المتبادلة اوالمجاملات الكاذبة التي حولت معها مجال النقد في اغلب اشتغالاته من مجال المعرفة والإبداع الى مجال للابتذال والتنظير الفارغ اي مجال غير ذي جدوى او فاعلية تذكر . . . انه ان صح القول مجرد شعارات متعالية ومستهلكة مما فسح المجال للكثير ممن يمارسون العمل النقدي استسهال ممارسة العمل النقدي ،دون ان يفهم ماهية النقد وما الهدف من ممارسة النقد ،ففي الصحف والمجلات الادبية على سبيل المثال لا الحصر تجد ان اغلب  المقالات النقدية اما تجامل هذا الكاتب او تذم ذاك الكاتب دون ان تحمل في مضمونها أي  فاعلية نقدية حقيقية سوى المجاملات والتلميع كذ لك تجد هذه المجاملات في الكثير من الاماسي التي تجري اما للتوقيع كتاب او لمناقشة  كاتب حيث لا تسمع من الحاضرين سوى التفخيم والإطراء المبالغ فيه ، وهنا نقف لنتساءل هل النقد هو مجرد استعراض للأفكار والمجاملات الكاذبة  والتنظير الفارغ واستعراض المفاتن والعضلات   فقط ام هو عملية معقدة تهدف الى تفكيك الأبنية والقوالب الفكرية لغرض فهم الأنساق الفكرية والأساليب المتبعة التي بنية عليها هذه الأفكار؟، ولي  يتسنى لنا تجاوز ذلك علينا أولا تفكيك هذا الظاهرة المسيئة للمشهد النقدي الادبي  في العراق من خلال التعريف بجوهر النقد وأهميته  في تشخيص مكامن الخلل فالنقد  هو رؤية معرفية دقيقة لكشف لاستراتجيات الفكرية لبنى النص من خلال إقامة صلات جديدة مع مفاهيمنا السائدة حول العقل والواقع ؟ و المتتبع اليوم للمشهد النقدي في الصحف والمنتديات  يجد فارق شاسع بين النقد كممارسة أبداعية وفعل معرفي وبين النقد بوصفه إطراء ومجاملات  او انطباعات شخصية وشعارات مفارقة للنص والواقع ،حتى أنها تعدت ان تكون  ظاهرة  تحولت فيما بعد الى إشكالية ، اختلط فيها الغث بالسمين خسرنا بسببها ثقة المتلقي الجيد وفهمه للنقد بوصفه فعل معرفي علمي ،ولو حولنا نظرنا الى مسألة النقد الأدبي في الرواية ،والقصة، والشعر مثلا فأننا سوف نجد ان غلب النقودات اعتمدت على أسلوب الشرح والتبسيط والتقاط ما هو جوهري في الفكرة للوصول للمتلقي بأيسر السبل والطرق وأسرعها دون تدقيق في المفاهيم والمصادر حيث تتفق أكثر هذه النقودات على طابع الإطراء والمجاملة او الغرابة في اللغة والتسطيح والاتهامات المتبادلة بالفشل والحقد الأعمى دون اي شعور من الناقد بان النقد هو مسؤولية فكرية ومعرفية ترتبط بالنص قبل ان ترتبط بشخص كاتب النص ، وبالتالي فأن مساءلة النص تصبح قضية ثانوية لا تعني الناقد الا في الشكل لكسب رضا هذا او ذاك  لذلك يتم الحكم على النص دون معرفة حقيقية قوة وضعف النص لذلك تجد اكثر هذه النقودات تأتي متسرعة فاقدة لأي منطق او منهج علمي و الإشارة للمصادر المأخوذ عنها ،وتفتقد لطريقة العرض والتنظيم الجيد والرؤية الواضحة التي يسعى اي عمل نقدي للوصول اليها ،وكأن الهدف والدافع من النقد محصور فقط بالسجال والاتهام للخصوم او المجاملات والإطراء أكثر من اي شيء أخر لذلك كانت السمة الأساسية لا غلب هذه المقالات  هي العشوائية الواضحة في الترتيب وطابع التلقائية والعفوية والسطحية  والمجاملات وهذا بعيد كل البعد عن جوهر النقد وهو القدرة على الولوج الى عمق النص للكشف عن رؤى جديدة ومكامن الجمال والإبداع في النص ،لا الاكتفاء بملامسة النص من الخارج دون فهم حقيقي للنص المنقود مما يفقدنا ذلك قدرة مسألة النص بشكل فاعل وحقيقي واستنطاق أنساقه ومضمراته وهذا ما يعاب على الكثير من المقالات النقدية والمنتديات الأدبية  ليوم من استسهاله الفعل   النقدي وضعف دور النقد في اجتراح رؤى ومفاهيم جديدة ترفض التمسك بما هو سائد في النقد والاعتماد شبه التام على تطبيق حرفي للمفاهيم والنظريات الجاهزة لذلك نحن امام مشهد نقدي يسعى الى القفز على سؤال النقد الحقيقي من خلال إشاعة الفوضى وللاموضوعية في الطرح  النقدي والمحاباة ، لذلك على الناقد الحريص ان يمارس دوره الفاعل في وضع العملية النقدية في مسارها الصحيح من خلال التصدي لكل أشكال المجاملات في الفكر والمعرفة  لاستنهاض المنجز النقدي وكشف وتعرية لكل من يصنف على انه نقد وفي جوهرة هو ادعاء و استسهال وتسرع وتسطيح ومجاملة او ذم وشتم لأشخاص لا الى نصوصهم . ان الرصانة والموضوعية في النقد تحتم على الناقد ان يكون ذو قدرة على الرصد ،والتقييم ،والتنظيم ،والتصحيح وعدم الاكتفاء بالتنظير والاستعراض والانتقائية في الطرح والتوصيف وبما ان النقد اليوم لم يعد حكرا على ناقد دون أخر او يقتصر على رؤية  احادية لا يمكن الاختلاف معها لذلك توجب على النقد ان يتحلى بالمرونة والموضوعية في الطرح ، فالنقد اليوم هو مجموعة من القراءات المتعددة والمختلفة التي تغني النص والعملية النقدية . ان ما يعنينا من هذا المقال هو فك ارتباط الفعل النقدي عن من يدعي انه الناقد الفذ الذي لا يقهر وكأن الممارسة النقدية هي فعل انتصار على لأخر المنقود أكثر من كونه فعالية أبداعية تعيد إنتاج النص للكشف عن مكامن الإبداع والجمال والقوة والضعف في أي نص ، ولتجاوز تلك الاشكالية على الناقد السعي لاجتراح أسليب نقدية جدية ومؤثرة والابتعاد عن المجاملات على حساب  النقد وذلك لحاجتنا الماسة لها لان العمل النقدي هو فعالية إبداعي تنويرية متجدد دائما لا فعل شخصي محدود ومجاملات فارغة .