-1-
من النادر أنْ تجد حاكماً من الحكّام لا يدّعى أنه لنْ يغمض له جفن ، مالم يُزح العِلّة عن الفقراء والبائسين ..!!
هذا على مستوى الادعاء وطرح الشعارات …
أما على المستوى الواقعي فظلّ الاكثرون تحت خط الفقر ..!!
-2-
والذين برعوا في الاستحواذ على المال العام بدون وجه حقّ ، عبر الصفقات الشيطانية، والعقود الوهمية، والعمولات الفلكية .. نسوا أنهم ينهبون أموال المستضعفين والبائسين ، مضافا الى سائر الشرائح الأخرى من المواطنين .
وفي ذلك من الانحدار الى سفوح الرذيلة والسقوط ما فيه …!!
-3-
إنّ هناك اليوم من الفقراء مَنْ لاتجدهم الاّ عند مواضع النفايات ..!!
يبحثون فيها عمّا يمكن التقاطهُ من الطعام ..!!
وهذا ما يُقرح القلوب .
وبالمقابل – وللاسف الشديد – لا تلمح المشاريع الانسانية الساعية لانقاذ هؤلاء المستضعفين من أوضار الحاجة والحرمان والفاقة ..!!
-4-
والى كبار المسؤولين في الدولة أسوق القصة التالية ، التي جاء على ذكرها (ابن كثير) في كتابه (البداية والنهاية) ج13/ص3709-3710
قال – في سياق ترجمة للمستنصر العباسي – :
(اجتاز راكباً في بعض أزقة بغداد ، قبل غروب الشمس من رمضان ،
فرأى شيخاً كبيراً ومعه إناء فيه طعام ، قد حمله من محلة الى محلة أخرى ، فقال :
أيها الشيخ :
لِمَ لا أخذتَ الطعام من محلتك ؟
أو انت محتاج تأخذُ من المحلتيْن ؟
فقال :
لا والله ياسيدي ،
-ولم يعرف أنه الخليفة – ،
ولكني شيخ كبير ،
وقد نزل بي الوقت ،
وأنا استحي من أهل محلتي أنْ أزاحمهم في وقت الطعام ،
فيشمت بي من كان يبغضني ،
فأنا أذهب الى غير محلتي ،
فآخذ الطعام ،
وأتحيّن وقت كوّن الناس في صلاة المغرب ،
فأدخل بالطعام الى منزلي بحيث لا يراني أحد ،
فبكى الخليفة … وأمر له بألف دينار ،
فلما دُفِعَتْ اليه فرح الشيخ فرحاً شديداً …
ولم يعش بعد ذلك الاّ عشرين يوماً …}
اقول :
انّ دموع (المستنصر) انسابت من عينيْهِ وعبرّت عما كان يعتمل في نفسه من رقّة وانسانية ازاء الفقراء …
والسؤال الآن :
أين تجد هذه الرّقة ؟
وأين الرحمة المرتجاة ؟
إنّ المستنصر كان قد خرج بنفسه الى أزقة بغداد ، فرأى ذلك الشيخ الفقير ، فتعاطف معه ، وتفاعل أشد تفاعل ، – والقسم الأكبر من السلطويين الذين لم يبلغوا ما بلغه المستنصر من علّو المقام – يقبعون في (المحمية الخضراء) بعيدين عن المواطنين ، دون ان تكون لهم جولات ميدانية وتماس مباشر معهم ..!!
وهنا لابُدَّ أنْ نُشيد بالدكتور العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي – الذي بدأ مشاوريه ولقاءاته بالمواطنين ، وترجم حبه للفقراء عمليا بملاحَقَتِهِ للفضائيين ، وعزمه على المضي قدما لتتبع الحيتان الكبيرة …
-5-
انّ النازحين والمهجريّن وبفعل عصابات الاجرام من (داعش) – قد تحوّلوا بين عشية وضحاها الى مجاميع تفترش الارض وتلتحف
السماء…، وفي أمس الحاجة الى الغذاء والدواء، وأبسط مستلزمات الحياة…
ومع ذلك كله :
فقد أشيع أنّ يد السُراّق قد امتدّت الى ما خصص لهذه الشريحة المنكوبة من أموال أيضا ..!!
ولا ندري بماذا نصف هذه الزعانف المنسلخة من كل القيم الانسانية ؟!!
انهم أكبر الأنذال ، من أشباه الرجال .