23 نوفمبر، 2024 4:24 ص
Search
Close this search box.

المثليون في بغداد!

المثليون في بغداد!

ان لم تَخُنّي الذاكرة ، كان ذلك عام 2007 حينما كنتُ في زيارة عَمَل الى احدى دوائر الدفاع المدني في احدى المدن العراقية ، واذا بي استمع لحديث احد الضباط الشباب وهو يتحدث مع زميله الضابط الشاب نادبا حظه لعدم تعيينه في دائرة اصدار جوازات السفر ، حيث ادّعى بأن عدداً من زملائه الآخرين ممن يعملون في دائرة الجوازات يَحصلون على مبالغ خيالية يوميا جراء اجبار المواطن على دفعها كـ ( رشى ) مُقابل انجاز جواز السفر عوضا عن تأخير انجاز ذلك الجواز لأشهر او سنوات !!

هذا الضابط المُتحدِث قال حينها لزميله ما نصه:

( البارحة شفتُ زميلنا الضابط فُلان وهو يَعُدّ نفسه للسفر للامارات العربية في اجازة استراحة ومتعة لمدة اسبوعين ..)

واضاف قائلا :

( سألتُ زميلنا فُلان : زين شكد ينرادلك فلوس ؟

فأجابني فُلان : الفلوس خيرٌ من الله ، والبارحة مَررت على المدير العام ( السيّد ) واعطيته هدية ( دفترين من الدولارات ) !! حتى أضّمِنَ الأجازة ، وحتى أضمنَ بقائي بدائرة الجوازات بَعْد ما ارجع من الاجازة !!)

الصورة اعلاه هي مثال فقط من ملايين الصور من الحياة اليومية للعراقيين بعد عام 2003 ولغاية يومنا هذا ونحن في الشهر الخامس من سنة 2020 ، ومثل هذه الصورة ربما تُوضّح للعالم احد الاسباب العديدة لأنطلاق التظاهرات الشعبية الواسعة مؤخرا في عموم العراق ضد الاحزاب الدينية والطائفية التي استلمت السلطة في العراق بعد ازاحة الدكتاتور المجرم صدام على يد القوات الاجنبية عام 2003 ولحد اليوم .

فالصورة اعلاه يَعرف امثالها وتفاصيلها كل العراقيين ، فليس هناك دائرة خَدَمية او غير خدمية في العراق دون وجود زِحامات مُصْطنعة فيها من اجل سهولة الاستمرار في سرقة واهانة واضطهاد العراقيين في ابسط حقوقهم .

أمثال الصورة اعلاه ربما تُفَسِر لنا سَبب فقدان المئات من المليارات من الدولارات من اموال العراق وفقدان الماء والكهرباء في العراق وفقدان الحرية والأمن وتوقف الصناعة والانتاج المحلي وتَخلف الدراسة والتعليم والاسكان والصحة الزراعة والري وتفشي البطالة وهِجْرة وتَهْجير اكثر من خمسة ملايين عراقي داخل او خارج بلدهم بعد عام 2003 لغاية يومنا هذا .

حياة اغلب العراقيين بعد عام 2003 باتت جحيما ينحدر بشدة الى الهاوية في كل نواحي الحياة دون استثناء بل باتَ الشباب مُجْبرين على الانتحار بعد فقدانهم الامل في ابسط مقومات العيش الكريم ، أو انهم يُقْتَلون في ساحات التظاهر على يد ميليشيات الاحزاب الدينية والطائفية الحاكمة والسارقة لحياة وكرامة واموال وحضارة العراقيين .

الشيء الوحيد الذي تتمييز به صور العراق وسط هذا الانحدار نحو قعر التخلف في كل نواحي الحياة هو ما تَجده من كثرة أنتشار مَظاهرالتَدَيّن المُصْطنع لدى كل البسطاء المُستفيدين من طغمة الاحزاب والميليشيات الدينية الحاكمة ، حيث تَجِدُ كثرة رَفْع شعارات وأفكار دينية وآيات قرآنية بعدما أصبح الأدعاء أوالتظاهر بالتَديّن هو الممر الوحيد أو الهوية الوحيدة المَسموح بها لمن يَريد أن يَعيش ولو في أسفل الظروف من الكرامة والحياة والحقوق الانسانية .

الاحزاب والميليشيات الدينية العراقية ، سُنيّة كانت ام شيعية ، يَهمها جدا التركيز دائما على ما هو تحت الملابس الداخية من اعضاء جسم الانسان الجنسية والتناسلية ، فهم يُمْتِعون انفسهم سرا بشتى انواع الممارسات العاطفية والجنسية ، عادية كانت أم مثلية ، في وقت يُعْلِنون فيه ( ظاهريا ) كامل التزامهم بما يُقَيّد النشاطات العاطفية أوالتناسلية للبعض مِنْ البَشَر مِن المثليين ، بل ان هذه الاحزاب والميليشيات الدينية يُحاولون فَرْض هذا التَقْييد على جميع الآخرين بالقوة ، فهُم يَدّعُون بأن العراقيين أو المسلمين يَختلفون عن بَشَر الغَرب الذي يَعْتبر ان النشاط العاطفي او الجنسي للانسان هو حق من حقوقه الانسانية الخاصة والمشروعة طالما كان طوعياً.

في الايام الاخيرة اشارت اخبار العراق الى اختفاء مئات الاطنان من مستودعات الطحين في مدينة النجف العراقية اضافة الى مَوّجات حرائق غريبة وغير طبيعية متتالية تلتهمُ مَزارع الحنطة في اماكن متفرقة من العراق في وقت تَحتاج فيه الجارة ايران للمزيد من العملة الصعبة لقاء تصدير منتوجاتها الزراعية الى العراق ، مما يدل على استمرار الاعمال الاجرامية المتنوعة والمتواصلة بحق العراق والعراقيين طيلة السبعة عشر عاما الماضية ولحد الساعة ، بينما تحاول الاحزاب والميليشيات الدينية العراقية في المُقابل خِداع أو ( ألهاء ) العراقيين عن أوضاعهم المأساوية هذه وذلك بالاعراب عن الاعتراض الشديد على قيام سفارة الاتحاد الاوربي في بغداد بالأمس برَفْع عَلَم يَرمز الى مُعارضة انتهاك حقوق الانسان المِثلي في كل انحاء العالم .

ما أريد قوله بأختصار انه :

اذا كان المِثليون يَسرقون مليارات وطحين العراقيين ، فحينها نقفُ بشدة ضد رَفْع عَلَمَهم على ارض العراق .

اذا كان المثليون يَقتلون المُتظاهرين العراقيين السلميين المُطالبين بالتحضر والحرية ، فحينها نَشجبُ رَفْع عَلمهم في سفارة الاتحاد الاوربي في بغداد .

اذا كان المثليون يَقطعون الألسن و يَلْغُون العقول ويَفْرضون على الآخرين افكار واحكام البدو الذين عاشوا في صحراء السعودية قبل 1450 عام ، فحينها نَشجبُ رَفْع عَلمهم في بغداد .

اذا كان المِثليون يَسرقون مدارس ومستشفيات وشوارع وبيوت ومَزارع ومصانع ونفط وموانيء ومطارات وملاعب وملاهي العراق ، فنحن نَستحي جدا من رفع علمهم في العراق .

اذا كان المثليون يَفرضون علينا اجباريا ان نَعتَبرَ ان شرف الانسان هو ( تَحتَ ملابسه الداخلية ) ، وليس في مدى ( صدق الانسان ) وعمله من اجل الآخرين ، فحين ذاك لا يُشَرِفنا رفع عَلم المثليين .

ولكن : اذا كان مِنْ المثليين مَنْ هُم ليسوا بالمواصفات السلبية اعلاه ، وكان العَلَم المَرفوع في بغداد هو رَمْز عالمي لوَقف هَجمات من يُريد ان يَحرم اولئك المثليين من حقهم في حياتهم الشخصية ، فحين ذلك لا يَسعُنا الا ان ( نَشْكُرَ ) الاتحاد الاوربي لمَسعاه الانساني الذي يُراد به ان يَجعلنا مثل بقية البشر المُتحضر الذي يُعارض الاعتداء على حقٍ شخصي بَحْت مَنَحَته الطبيعة او الله لانسان ما عراقيا كان أم لَمْ يَكنْ !

أحدث المقالات

أحدث المقالات