31 يوليو، 2025 12:01 ص

المثقف بين الموضوعية والشتات

المثقف بين الموضوعية والشتات

في عصرنا، أطلّ علينا ما يمكن وصفه بـ”المثقف المزيف”، الذي بوجوده تفشّى التردّد وأصبح الخوف من مواجهة الفكر السائد هاجسًا.
حتى حين يتعارض هذا الفكر مع المبادئ والقناعات، نجد البعض يلزمون الصمت حفاظًا على صورة “المثقف المقبول”.

هذا النموذج لا يقتصر على ضعف الجرأة، بل يعتمد على رؤية مشوّهة تعرّف المثقف بأنه المنفتح على كل فكرة، مهما كانت عبثيتها.
ووفق هذا التصوّر، رفضك لفكر معين يصنّفك جاهلًا، بينما الحقيقة أن الموقف الرافض ينبع أحيانًا من فهم عميق ووعي ناضج.

وهكذا، يُسارع “الدخيل الثقافي” إلى الدفاع الأعمى عن أي فيلسوف أو فكرة، لا لاقتناعه بها، بل خشية انتقاد أقرانه، فيتحوّل هذا المثقف إلى مرآة تعكس أفكارًا مستوردة دون تمحيص، في مشهد يكاد يكون هزليًا.

نراه يقرأ عملًا سطحيًا لكاتب مغمور، ثم يجتمع برفقة ليشيد بأسلوبه دون فهم حقيقي. إنه نموذج استهلاكي، يخشى الصدق مع الذات، ويلهث خلف موضة فكرية. وهكذا، ابتعد هذا الجيل عن جوهر الثقافة ومعانيها العميقة، وانخرط في تكرارٍ أجوف.

**القضية الأعمق هنا** أن ظاهرة المثقف المزيف تخترق المؤسسات الثقافية والمنصات الفكرية، لترسّخ نفسها كنموذج سائد.
بينما المثقف الحقيقي، بصراحته وجرأته، يُهمّش. وبينما يُفتَرَض أن يقود المثقف مجتمعه نحو الوعي المركّب والفعل المُجدّد، نجده اليوم أسير التبعية، يكرّس للاغتراب الثقافي بدلًا من تعزيز الجذور والهوية.

إن الحداثة الحقيقية ليست في هروبنا من الذات، بل في عمق إدراكنا لها وتجديدها. ومعركة الثقافة ليست مع الأفكار بحد ذاتها، بل مع من يدّعي تمثيلها دون صدق أو فهم. ولذا، كل من يسعى لبناء ثقافة حقيقية، عليه أن يبدأ بكشف القناع عن الزيف والارتقاء بالوعي من الصخب إلى العمق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات