23 ديسمبر، 2024 5:20 ص

المثقف العراقي.. ترهيب المعرفي واتجاه المعاكس

المثقف العراقي.. ترهيب المعرفي واتجاه المعاكس

ينبذ المتحاورون في البرامج التلفزيونية، ودردشات التواصل الرقمي والتراسل الفوري، العنف، وينعتون تنظيماته بالإرهاب، لكنهم يمارسون الترويع الفكري، في حواراتهم، ومفرداتهم اللغوية، ومفاهيمهم، ويبرزون عضلاتهم

“الخطابية”، على بعضهم، ويزدرون وجهات نظر الخصم، ساعِين الى تسويق مواقفهم بالقسوة ذاتها التي يمارسها المتطرفون المُنظّمون الى الجماعات الراديكالية، فلا فرق، في تراشقهم بالكلام والمعلومة، لتحقيق النصر، عن أولئك الذين يتحاورون بالرصاص.

كلما ازدادت المعرفة، تسامت عن أسباب النزاع، ووقفت على أوجه الاختلاف في مُقايسة موضوعية من دون فتل

عضلات معلوماتية، أو مباهاة معرفية، لان القضايا الجدلية سوف تتحول من جراء ذلك، الى معارك خاسرة، لا مواضيع بحث ونقاش، واذا كان المتزمتون العقائديون، يجابهون الخصم بالإرهاب الفكري، فان ذلك اصبح سمة عامة للنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية، على حد سواء، تُرَصد بشكل واضح في البرامج الحوارية التلفزيونية، ولعل أول من أسّس لها هي تلك البرامج التي تستضيف طرفين مختلفين في الأيديولوجية وآليات التطبيق، ليراشقا ليس بالمفردات، والالفاظ فحسب، بل بالأدوات المادية أيضا.

انسحب ذلك على البرامج الحوارية العراقية، فما ان يطلّ ضيف الحوار، حتى ينبري في سوْق الاتهامات واستحضار

المعلومات، وإظهار الوثائق التي تسربت اليه – في الغالب بصورة غير شرعية – ليبدأ مارثون من التسقيط المتبادل الذي لم ينفع يوما في كشف الحقائق، وفتح الملفات.

هناك عملية جلْد كلامي في الملفات العالقة، وفي جدليات السياسة والدين والمجتمع، يرسم ظاهرة استخدام العنف الكلامي واللفظي وحتى الإدراكي في الحوارات، من اجل تحقيق الانتصار على الخصم، وأحد أسباب ذلك هو التربية غير الصحيحة على أساليب التعبير، في مناهج التعليم، وفي التنشئة المجتمعية.

بل وأكثر من ذلك، أصبحت “المعلومة” وتخزينها في العقل، أداة للغلواء الفكرية، لم تسفر عن لدانة، قدر الصلابة، التي تقف متِأهبّة خشية الاختراق من الآخر، وليس في ذلك حصانة، بقدر ما هو، جمود عن التفاعل، بسبب التوجس.

أحد أبرز صفات العنفية، والانانية، والارتجالية في المثقف – على سبيل المثال لا الحصر-، انه يؤلّف كتابا ولا يمتلك إحصائية بعدد قراءه، كما ان السياسي، لا يقتني مجسّات شعبيته ومقبوليته، وفي الغرب اذا ما ادرك النخبوي، ذلك، فان عليه مراجعة أدواته وسياساته، فأما أنْ يصحّح ليتقدم، أو ينسحب.

في الجانب المقابل، يغيب الاحترام للقارئ، الذي يرى الكتب والمنشورات ووسائل الاعلام، تستهلك الكثير من المال العام، لكنها لا تساهم في رفع قدراته المعرفية، وتوسّع مداركه المعلوماتية لأنها بعيدة عن واقعه وهو يراها قد تحولت

الى تلال من ورق على الرفوف، ثم بعد حين، الى القمامة.

انّ العنف والتبذير وفقدان الهدف، من ظواهر التقوض الكبير في الخطاب الإعلامي والثقافي، وهو يستهلك الكثير من المال العام، فالفضائيات لم تقدّم سوى صورة السياسي المتخاصم. وفي الكتب والروايات يبحث الكاتب عن الصيت لا المعالجة والخدمة، والصحف نافذة للنخب وتسويق الشخصيات، لا التعبير عن مصالح الناس.

الفشل يكرّس نفسه أيضا في وسائل التواصل الحديثة، التي تحولت في الغرب الى أدوات تواصل لإنجاز المعاملات الحكومية، والإسراع في إيصال العلاجات، والسلع، فيما لم تتجاوز في العراق كونها، وسيلة لقضاء الوقت، والجدل

الذي لا ينتهي الى نتائج مفيدة.