قد نتفق مع أفلاطون في أن الممارسات اليومية تعبير عن أصل حمل المسمى والذي يمثل الجذر أو المثال كما يسميه . فالإنسان يمثل حقيقة مجردة لها صفاتها التي تحدها . ونحن كبشر نحاول عبر سلوكياتنا التقرب من هذه الحقيقة ، ولذلك أي خروج عن حدودها يعتبر تجاوزاً غير شرعي لسلوكيات كان لابد لها أن تكون في الإنسان الذي يمثل صورة لأصله.
وهذه الحقيقة يمكن تطبيقها على من يتمتع بذهن يعي خطوات صاحبه بل ويمكن أن يرشده إلى الصح وينتقده نقداً صارماً في حالة خروجه عن المألوف.
أما الحيوانات ، فقد يكون انعدام التفكير عندها جواز مرور لسلوكياتها غير الملتزمة ، وقد يوصلها سلوكها إلى الأصل لأنها لاتنوي أن تفكر بسلوك آخر . من هنا نقول ، أن الفارق في تقدم هذا الذهن وتأخر ذاك ، من شأنه أن يمنح الإنسان سلوكيات مختلفة ، بعضها قد يتأخر في سيره والبعض قد يحث خطاه للوصول إلى الأصل.
ولكن كان من المفترض أن تحمل جميع الخطوات صفة الإنسان الذي يمثل صورة للأصل الذي يؤكد بأنه المخلوق الوحيد الذي يعي ضرورة الخير ويسعى لتحقيقه ويدرك بأن هذا السعي يشترط الوفاء للتراب ، للناس ، للذات والصدق والعمل، وضرورة مواصلة الاستفادة من هذه الحياة سواء بالإصغاء أو القراءة.
لنحاول الآن مطابقة ماطرحه أفلاطون على واقعنا المعاش الذي تستحيل فيه المقارنة بين الأصل والصورة.
العالم الذي حولنا ، في القرن الذي نحن فيه ، يؤكد انفصاله عن الإنسان الأصل من خلال استبدال ذهنه المتوارث بآخر مصنوع لايدرك غير الاستغلال والكذب والنفاق والشعوذة والحروب . هذا الذهن الذي يحاول استغلال حتى الأديان التي ورثناها ليستعملها هوية انتماء تبيح له غزو الآخرين ، إضافة إلى أن العالم المتقدم لايسعى إلا إلى تصنيع سلاح جديد سريع الفتك بالآخرين من أجل تصديره إلى مجموعات إنسانية شكلت دولاً مستقلة لتمارس حروباًَ غير شرعية ، إذ أنها ستؤدي إلى إبعاد صورة الإنسان عن أصله.
المدينة الفاضلة التي كتب أفلاطون دستورها كانت مستحيلة ، إذ أن الإنسان منذ أن خلق كان شديد التوق للاستغلال والقتل والكذب والسرقة.
العراق ، وطننا العزيز ، يضم أقواماً من البشر ولكنها دون شك تسعى جميعاً للوصول إلى الإنسان الأفضل . فلو اتفقنا ذهنياً على ضرورة فداء هذا التراب والمحافظة عليه لاستطعنا أن نخطو أولى خطانا من أجل الوصول إلى الإنسان الأصل وبناء الدولة الفاضلة.
[email protected]