ليس المعني هنا هي المثالية الفكرية ، بقدر ما يقصد به المعنى العام لها ، اي الوصول إلى المثل والقيم السامية من اجل النهوض بالذات أولا ، الأمر الذي ينعكس على حياة المجتمع برمته ، وبالتالي الوصول بالفرد إلى سجية التخلي عن انانيته وعدم تبرير السلوك النفعي للبعض .
في ضل الواقع المتردي تكثر الشعارات البراقة للقوى السياسية من أجل الاستحواذ على الشارع السياسي وسرعان ما تفضح شمس الحقيقة تلك الشعارات المرتكزة على خلفيات مختلفة حسب ما تنسجه خيوط اللعبة والفخاخ الفكرية التي هي أشبه بمصائد المغفلين ، فتارة تعزف على وتر الطائفية وتارة أخرى على وتر الدين أو القومية وهلم جرا .
هنا لابد من بيان مسألة جوهرية تتمثل في الازدواجية في تقبل الشعارات ، وعدم معرفة الكيفية التي تمسك بها الخيط ، لأن المتبنى الفكري سطحي إلى حد الثمالة وغير مستند إلى إيمان ومعرفة حقيقية بالفكر المتبنى .
فالعلماني ليس علماني في جوهره ، بل أصبح علمانيا نتيجة لضعف إرادته أمام القيم السماوية فوجد العلمانية ملاذا يقبع فيه .
أما المتدين فابتعد من وسطيته إلى حد التطرف كونه غير مستند على قواعد الدين الرصينة .
والاثنان هم أقرب للتطرف وابعد ما يكون عن المثالية أضف إلى ذلك السلوك الاجتماعي المجافي للمبدئية ريثما يشاهد بريق المصلحة الخاصة ما يعطي للسياسة النفعية فرصة لالتقاط الأنفاس وإعداد سيناريو جديد مبني على الكسب السياسي وايقاع الضحايا في أتون التعقيد الذي لا يمكن للحقيقة الخروج من شرنقته .
إذن حالة الصخب الشعاراتي بإمكانها أن تساهم في انعدام الرؤية عندما يتصاعد غبار إبراز الذات الانهزامية إلا عند ذوي البصائر والعقول الراجحة الذين أثبتت التجارب أنهم صفوة أبناء هذا البلد الجريح ولهم أحقية الإتباع رغم نعيق غربان الشر الذين تعددت وسائلهم التسقيطية في ضل التقدم التكنلوجي وتطور وسائل الاتصال بالشكل الذي يؤدي إلى إرباك في التفكير لدى السطحيين والسذج .
إن الواقع العراقي وبعد القضاء على الإرهاب مشرف على موجة شعاراتية جارفة لمن لا يستند إلى ركن وثيق ، حيث يبدو التساؤل منطقيا عن كيفية الخروج من تلك المعمعة وصولا إلى المثالية ؟
الجواب ببساطة يكمن في استحضار جميع المواقف بغية إفراز مايمتاز منها بالنفاق السياسي والفساد المالي حينها لا مناص من الانقياد والرضوخ إلى رؤى المرجعية الدينية لمغادرة الفوضى الفكرية ، كون أصل المشكلة هو عدم الأخذ بآراء من يمثلون صلب القضية لدوافع شتى ، الأمر الذي أدى تشضي القرار المجتمعي الذي ينعكس عنه اختلاف الرؤى السياسية التي ينتج عنها إيقاف عجلة تقدم البلد برمته ، وولوج أهل النزوات الشخصية والطامعين من تجار السياسة الذي يصعب على عامة الناس تشخيصهم في ضل تشابه الشعارات .
إذن لا خيار آخر للوصول إلى المثالية في المواقف إلا بالاستماع الواعي لما يصدر من أزقة النجف الضيقة بمساحتها والتي وسعت العراق بأكمله في حرصها الشديد على سلامة أبناءه .