23 ديسمبر، 2024 9:17 ص

المتّهم ليس بريئاً حتى تثبت ادانته !

المتّهم ليس بريئاً حتى تثبت ادانته !

على الرغم من أنّ المقولة ” العنوان ” اعلاه من دونِ < ليس > , هي مقولة شائعة ومتداولة ومتّفق عليها ربما أمميّاً , لكنّ الكلمات والمقولات شيء , والواقع والوقائع شيءٌ آخر .!

ففي نظرةٍ ميدانيةٍ للقضاء في العالم الثالث عموماً , وفي الوطن العربي خصوصاً , ففي المحاكمات الجنائية وسواها , فأنّ الغالبية العظمى من القضاة والمحققين هم من حمَلة شهادة البكالوريوس في القانون , وقد يغدو المتّهم الماثل أمامهم مفكّرا او اديباً او يحمل لقب الدكتوراه , وربما مديراً عاماً وما الى ذلك , وبمن فيهم المواطنين البسطاء , لكننا نرى القضاة غالباً ما يكونوا معبئين نفسياً للنظرِ الى المتهم بنظرة فوقية , وعلى المتهم ان يغدو في حالة وقوف أمام القاضي , حيث كأنه محرّمٌ عليه الجلوس فقهيّاً ! بالرغم من أنّ التحقيق لم يبدأ بعد , وقد يغدو المتهم بريئاً بعد ذلك .! , بل الأنكى والأسوأ من ذلك , فأذا ما اشتكى امرؤٌ على شخصٍ ما لخلافٍ ما غير جنائيٍّ , فالمثول وقوفاً لكلا الطرفين أمام القاضي حالةٌ الزامية شديدة .! , وحجّة او ذريعة القضاء لذلك هو لأحترام المحكمة ,! وكأنّ الأحترام متوقّف على الجلوس والوقوف , وليس بالسلوك والأسلوب وحسن الخلق وبالكلمات المهذّبة .! , فبجانب الأنسانية بمفاهيمها المثلى , فلماذا يضحى المرء مرغماً على الوقوف أمام قاضٍ ادنى مستوى فكري او علمي او اداري منه , طالما هو بريء اصلاً .! .. لماذا عدم احترام كيان الأنسان طالما لم تثبت ادانته .!

ذات الأمر ينطبق بأضعافٍ مضاعفة على المحاكمات السياسية التي قد تشمل زعماء ورؤساء دول ووزراء وقادة لهم مكانتهم الأجتماعية والسياسية والأعتبارية , فليس هنالك من مبرّر او مسوّغ لوضع مثل اؤلئك المتهمين داخلَ قفص .! , فالأمر لا يتعدّى الإهانة المقصودة حتى لو كان ذلك تقليداً من التقاليد .! فيتوجّب ان يكون العقل اكثر اتّساعاً من تقاليدٍ بالية , ثُمَّ أنّ الأقفاص ” اصلاً وفصلاً ” جرى صنعها وتخصيصها لكائناتٍ حيّة لكنها ليست من صنف البشر .!

وفي مثلِ تلكم المحاكمات السياسية , فغالباً ما نرى المدعي العام اكثر حماساً من القاضي لإنزال ” اشدّ ” العقوبات بحقّ المتهم وليس اخفّها ولا اوسطها .!

بمناسبة مرور الذكرى ال 59 على 14 تموز 1958 , وبالربطِ بينها وبين الحديث عن القضاء , حيث كانت محكمة المهداوي ” العقيد فاضل عباس المهداوي ” والتي اسمها الرسمي محكمة الشعب , لكنّ التسمية الأولى طغت على الثانية بمسافاتٍ شاسعة , ودونما استرسال بشأن التفاصيل اللاذعة لتلك المحكمة العسكرية , فنشير أنّ صلة القرابة بين الزعيم الراحل , والمهداوي الذي هو ابن خالته , اضافةً الى أنّ المهداوي ممن شاركوا بالأنقلاب على النظام الملكي , فهو انحيازٌ كامل ومطلق ومتطرّف من قادة تموز ضدّ المتهمين السياسيين والعسكريين من كلا العهدين الملكي والجمهوري , حيث اسقطت تلك المحكمة أهم اركان القضاء في استقلاليته الموجبه .! , ثُمّ ما كان يجري في قاعة المحكمة من قِبل الحضور والمشاهدين حيث كانوا الشيوعيون يرفعون حبالاً يلوّحون بها ويهتفون : < اعدم .. اعدم > , فكم كان لذلك من تأثيراتٍ سيكولوجية للعقيد المهداوي ليصدر عقوبة الإعدام .!

بقدر تعلّق الأمر بالعراق على الأقل , فيتوجّب مراجعة شمولية للحفاظ على كرامة الأنسان اولاً , لكنّ ذلك محال أن يحدث , فعلى الأقل فأنّ جذور التخلّف الفكري مغروسةٌ فينا , ولا يصعب استئصالها بتوفّر النيّات الحسنة , لكنّ الأعقد والأصعب هو اجتثاث غريزة الحقد والأنتقام من البعض ” سياسياً وغير سياسيٍّ ايضاً .!