23 ديسمبر، 2024 1:29 م

المتقولون المتقيئون

المتقولون المتقيئون

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر
ضعيف يقاويني قصير يطاول
هو بيت للمتنبي أرى أن شبها كبيرا بين ماجاء به وبين مايحدث باستمرار في ارض الحضارات ومهبط الرسل والأنبياء، ومقام الأولياء والأوصياء. إذ لم تمر حقبة من حقب الدهر إلا وهناك غمامة تعلو سماء وادي الرافدين، تنغص عيش قاطنيه وتقض مضاجع ساكنيه. من تلك الغمامات ماتجيء به تقلبات جيولوجية لاعلاقة للإنسان في صيرورتها، فالطوفان.. أخذ من الزرع والضرع مأخذه من هذه الرقعة الجغرافية حتى كاد ينفي كل شيء حي. والجفاف.. أسهم في تفاقم وجع العراقيين إيما إسهام، حتى أحرق اليابس والندي مما يقتاتون عليه. والجدب هو الآخر.. ظل شبحه يلوح بين الفينة والأخرى في سماء العراقيين، ويتحين الأسباب والدواعي ليثبت وجوده بين ظهرانيهم، فكان به إتمام مافات الطوفان والجفاف الإجهاز عليه. أما الحريق فكما يقول مثلنا: (لو من أول.. لو من تالي) فـ (من أول) نجا وادي الرافدين من اندلاع الحرائق -المفتعلة وغير المفتعلة- في تاريخه القديم، إذ لم نسمع من قبل بحرائق كبيرة شبت في بقاعه، في حين يروي لنا التاريخ بضع عشرات من الحرائق في نواحٍ كثيرة من المعمورة منها؛ حريق طوكيو في اليابان عام 1923.. وحريق هاليفاكس ونوفا سكوتيا في كندا عام 1917.. وحريق مدينة تكساس في أمريكا عام 1947.. وحريق روما عام 64م.. وحريق لندن عام 1666.. وكذلك حريق بوسطن عام 1872.

أما (من تالي) فالحرائق في وادي الرافدين أخذت طابعا آخر، وعلى وجه التحديد بعد “عام السعد” 2003..! إذ أن يد الإنسان سجلت حضورها الكامل في اندلاع الحرائق، وكانت -ومازالت- هي الطولى في أحداث إضرام النيران، لاسيما في دوائر الدولة وعلى وجه الخصوص الحساسة منها، والتي تضم في طوابقها ودهاليزها وأرشيفها وعلى رفوفها، ملفات وأوراقا ومستندات ووثائق، تحمل سر مسببات إحراقها، وعلى مايبدو أن يد الإنسان تلك أرادت محو أدلة او إخفاء معلومات او إضمار حقائق، لاينفع في تضييعها الحك والشطب ولا يموهها الحبر الأبيض.

وبذا تكون الزلازل والبراكين والتسونامي بعيدة كل البعد عن وادي الرافدين، والتقلبات الجيولوجية بأصنافها بريئة من إحداث مصائب وكوارث و (بلاوي) على بلدنا، ولكن..! كما قال الشاعر:

ليس البلاء عندي صنفا واحدا

عندي بحمد الله منه صنوف

وأعود الى متنبينا فيما ذكرته في بادئ أسطري هذه، فقد استخدم مفردة “ضبن” والضبن هو منطقة مابين الكشح والإبط، ولوذعي مثل المتنبي لم ينتقِ هذه المفردة اعتباطا، فبإمكانه ذكر مفردة “خصر” ولايضير هذا بعروض البيت، إلا أنه خص فيها بعض المتقولين الأسوياء ممن لايطالون قامته في الشعر، فوصفهم بلفظة التصغير “شويعر”. وارى أن ماقاله أبو الطيب يقترب الى ما قصدته من مقالي في مقامي هذا، إذ أن المتقولين الذي يتمشدقون بين الفينة والأخرى بتصريحات وضيعة، يتقيأون فيها أباطيل واتهامات بحق قوات الحشد الشعبي والمتطوعين الشرفاء من أبناء المحافظات كافة، لاتشكل جميعها سوى أبواق تنفذ ماأمرت به من جهات عدة لم تعد تخفى على الجميع، فهي متمثلة بأزلام النظام السابق، وأيتامه من البعثيين الذين يحلمون بالعودة الى سدة الحكم، وكذلك بعض من يسمون أنفسهم شيوخ عشائر، وهم في حقيقة الأمر بعيدون عن شيم عشائرنا العراقية وشمائلها وطبائعها وأخلاقها العريقة السامية، فهم طائفيون قلبا وقالبا.. وحاقدون مظهرا وجوهرا.. وهم الذين قال فيهم الإمام علي عليه السلام:

وذر الحقود وإن تقادم عهده

فالحقد باق في الصدور مغيب

[email protected]