-1-
المتقعرون موجودون في كل زمان ومكان .
وكُتب التاريخ والأدب نقلتْ لنا عن المتقعرين ، بعضَ النصوص الكاشفة عن قدراتهم في اللف والدوران ، واظهار العجز عن فهم المراد من الكلام … كل ذلك من أجل إبراز براعاتهم اللغوية ومعرفتهم العميقة بلغة الضاد …!!
انهم يريدون أنْ يبنوا لهم مجداً على حساب الآخرين، من خلال المراوغات الكلامية الباهتة ..!!
-2-
” قال المبرد :
قال رجل لهشام بن عمرو الفوطيّ :
كم تعدّ ؟
قال :
من واحد الى أكثر من ألف .
قال :
لم أُردْ هذا ، كم لك من السنّ ؟
قال :
اثنان وثلاثون سنّاً .
قال :
لم أرد هذا ، كم لك من السنين ؟
قال :
مالي منها شيءٌ كلّها لله .
قال :
فما سنّك ؟
قال :
عَظْم
قال :
فابن كم أنت ؟
قال :
ابن أبٍ وأمٍ .
قال :
فكم أتى عليك ؟
قال :
لو أتى عليّ شيءٌ لقتلني
قال :
فكيف أقول ؟
قال :
قل : كم مضى من عمرك “
تاريخ الاسلام للذهبي / ج16 ص263 – 264
أقول :
ان السؤال المطروح على “هشام” لم يكن معقداً ، ونحن على يقين بانه قد فهم المقصود منه ، ولكنه ابتدأ رحلة الهرب من الجواب السريع ، وتجوّل في العديد من الدهاليز حتى نطق بالجواب …
وهذا هو التقعر بعينه …
-3-
والتقعر السياسي هو أبشع ألوان التقعر على الاطلاق …
ومن النادر جداً أنْ تعثر على سياسيّ واحد من ” سياسي الصدفة ” بعيد عن التقعر ..!!
ومن هنا كانت البلية عظيمة في العراق الجديد لأنَّ هناك كمّاً هائلاً من سياسي الصدفة ، لا يروق لهم الاّ التقعر الممجوج ..!!
-4-
ومن التقعر الذميم الإثارات التي تشيع الفتنة ، وتزرع البغضاء ، وتحرّض على الفصام النكد بين أبناء الوطن الواحد …
-5-
انّ العراق اليوم – وهو يخوض غمار المواجهات الساخنة ، مع عصابات داعش – التي لا تعرف الا القتل والحرق والعدوان على الانسان والأديان والقيم والحضارة والتحجر والخرافات – بامس الحاجة الى الخطاب التوحيدي، البليغ في جمع الكلمة، ورص الصفوف، وتلاحم
القوى ، والتوعية بمخاطر الهجمة الداعشية البربرية ودحرها، والتوجه المشترك الفاعل لتطهير تراب الوطن من دنسها …
-6-
لا مكان في قاموس ” الوطنية ” لأيّ لون من ألوان التقعر السياسي الذي يفت في العضد ، ويمزق النسيج العراقي ، ويحدث الثغرات في جدار التلاحم الوطني .
-7-
وهكذا تبرز أهمية الالتفات الى خطورة الكلمات والتصريحات، فضلاً عن المواقف والخطوات المتخذة ازاء ما يمر به الوطن من المحن …