في سابقة يعدها البعض مخالفة للدستور والقانون ، أدرجت وزارة المالية مادة في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021 تتضمن استقطاعات من رواتب المتقاعدين تصل نسبتها إلى 26% تحت عنوان ( ضريبة الدخل ) محسوبة على أساس الاستحقاق الكلي ومنح الإعفاء لمن رواتبهم 500 ألف دينار فاقل ، وشكل ذلك صدمة للمتقاعدين لأسباب عديدة ، أولها إن الاستقطاع جاء بعد تغيير سعر صرف الدولار إلى 1470 دينار وما نتج عن ذلك من ارتفاع في الأسعار لنسب بحدود او تزيد عن 20% وما يترتب على ذلك من انخفاض في القدرات الشرائية للمواطنين ، وثانيها إن قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 ( النافذ حاليا ) قد استثنى المتقاعدين في ( المادة 7 التسلسل سادسا ) والذي يشمل الرواتب والمكافآت وبدل الإجازات المتراكمة وغيرها ، وثالثها إن الاستقطاعات خالفت القانون النافذ ليس في العبور فوق الاستثناء فحسب وإنما في طريقة الاستقطاع لان الضريبة تفرض على المدخولات السنوية بعد طرح السماحات ولكل مكلف مجموعة من السماحات ، ورابعها إن الرواتب التقاعدية ليست مدخولات وإنما هي مدخرات يتم استرجاعها من صندوق التقاعد الذي تم تحديد آلياته بقانون التقاعد النافذ رقم 9 لسنة 2014 ، وخامسها إن الاستقطاع لم يأخذ جملة من الأمور منها العمر والحالة المرضية والاجتماعية وتعدد مصادر الدخل وغيرها من أصول وسياقات فرض ضريبة الدخل ، وسادسها إن وزارة المالية لم تراعي مسالة الازدواج الضريبي ، فالرواتب التقاعدية هي عبارة عن مدخولات سبق وان خضعت لضريبة الدخل أثناء الخدمة الوظيفية كما أن الازدواج من الممكن حصوله عندما يكون الزوج والزوجة من المتقاعدين ، وسابعها إن المبالغ المستقطعة لم تأخذ بنظر الاعتبار مجموعة من المحددات ومن بينها الأثر المادي للاستقطاع لان اغلب المتقاعدين لهم التزامات أخرى في السلف والقروض والنفقة والدين العام والخاص وغيرها من الالتزامات التي غالبا ما تتناسب مع مقدار الراتب التقاعدي ، وثامنها إن الاستقطاع لم يأخذ بالرأفة للحالات الإنسانية لبعض المتقاعدين من المستحقين والخلف المتعلقة بالعجز الكلي او الجزئي والإصابة بالأمراض المزمنة والايتمة والأرملة وبذلك سيشكل الاستقطاع لتلك الحالات انتهاكا لحقوق الإنسان في ظل غياب او قصور العديد من الخدمات لما تعرضت له البلاد من ظروف وأزمات وفساد .
وانه لمن دواعي الاستغراب أن يكون المتقاعدين واغلبهم من العاجزين وكبار السن مصدرا لتمويل الموازنة الاتحادية لما تواجهه من عجز لأسباب لا تتعلق بهم قط لان رواتبهم تم احتسابها على قواعد بموجب القواعد والتعليمات ، فالمتقاعدون هم ( الأخوة الكبار ، الآباء ، الأمهات ، الأعمام ، ألخوال ،الخالات ، وغيرها من التسميات ) لمن يقترح الموازنة ، ومن غير المنصف أن تتم معاملة رواتبهم بهذه الطريقة فالمنتظر هو التعامل معهم على سبيل الاحترام والتقدير والتمييز والعرفان بالجميل كونهم افنوا سنوات عطائهم وشبابهم في خدمة وبناء البلاد وتربية الأجيال ، وفي رد فعل للحكومة عن هذه الاستقطاعات فان التصريح الذي صدر عنها يقول إنها عادلة لان الاستقطاع شمل شرائح محددة ولم يشمل الجميع نظرا لاستثناء المتقاعدين الذين تبلغ رواتبهم 500 ألف دينار من الاستقطاع الضريبي ، وكأن من يزيد راتبه عن هذه الحدود قد ارتكب ذنبا او جرما لكي يقلل استحقاقه القانوني تحت غطاء ضريبة الدخل ، وهذه التصريحات لم تلقى قبولا لدى بعض خبراء القانون ولجان مجلس النواب التي لها وجهات نظر في الاستقطاع ، فهو يتقاطع مع المادة 28 من الدستور التي وضعت حرمة لمدخولات المتقاعدين نظرا للأدوار التي قدموها وحالاتهم الإنسانية ، ومما لاشك فيه إن المتقاعدين كونهم مواطنين صالحين لا يرفضون أية إجراءات رسمية تستند إلى قرارات متكاملة تأخذ بنظر الاعتبار أحوالهم وأوضاعهم كونهم لم يرتكبوا مخالفات ولا يستحقوا أن يعاملوا بطريقة تمس حقوقهم التي اكتسبوها بموجب التشريعات ، فما يحصلون عليه من رواتب هي من أموالهم المودعة بصندوق التقاعد كونهم مساهمين فيه وقد تأسس هذا الصندوق في مرحلة الديمقراطية وهو ليس من بقايا النظام البائد ، ومن حق المتقاعدين أن يطالبوا بأن تكون مستحقاتهم من هذا الصندوق وليس من نفقات الحكومة او عبئا على نفقاتها لأنه وجد لوقاية المتقاعدين من التذبذبات والتغييرات السياسية والاقتصادية التي تمر بها الحكومات او البلاد ، والأمنية التي تجمع غالبية المتقاعدين هي أن لا يكونوا حلقة تضيع بين الجهات التشريعية والتنفيذية ، فالمواد العاملة في قانون التقاعد الموحد ( المعدل ) رقم 9 لسنة 2014 تشير إلى ضرورة الحفاظ على دخل المتقاعدين بما يتناسب مع مستويات المعيشة والأخذ بنظر الاعتبار تأثير التضخم على مدخولاتهم وليس العكس ، كما إنهم من الوطنية التي تجعلهم يقفون إلى جانب الدولة في السراء والضراء ، ولكن ليس في الجانب الذي يجعلهم من اضعف الحلقات بحيث يكونوا من تشملهم الاستقطاعات وإجراءات الحكومة ( الانتقالية ) في الإصلاح ومواجهة الازمات لان مستحقاتهم ليست باعوجاج يستدعي الإصلاح ، كما إن من الإنسانية والوطنية أن لا يكونوا ( كبش فداء) على حساب الحقوق التي اكتسبوها كاستحقاق فعلي مدفوع الثمن من الجانبين المادي والمعنوي والاعتباري وليس ( مكرمات ) ، والكرة في هذه الحالة موجودة في ملعب ممثلي الشعب في مجلس النواب الذين ينتظر منهم موقفا منصفا وعادلا إزاء الموضوع .