الاحالة على التقاعد لدينا ،وفي الدول الفاشلة عموماً تشبه الاحالة الى الموت المؤجل ، فيما الحالة نفسها في الدول التي تحترم انسانية الانسان ، تكون مرحلة لحياة مختلفة لايجد فيها المتقاعد نفسه انساناً فائضاً عن حاجة المجتمع !
رسائل عديدة عبر وسائل متعددة ومنها الشخصية ، طالبني فيها متقاعدون ، بعد المجاملات والسلامات ، بالتطرق الى قضية وجودهم ” خارج التغطية ” الحياتية، رغم محاولاتهم اعادة انتاج حياة جديدة تليق بمخرجات اربعة عقود من الخدمة في مؤسسات الدولة ، سأحاول تلخيصها ووضعها كمشكلة وجودية اقتصادية ونفسية واجتماعية .
من قصص الرسائل ، ان مصرف الرافدين والرشيد الحكوميين يمتنعان عن منح المتقاعد السلف المالية ، رغم اعلاناتهما المتواصلة بمنح السلف من خمسة ملايين فما فوق ، وحين يراجع المتقاعد للاستفادة من هذه الميزة يقال له وجهاً لوجه ” غير مشمول ” حتى لوكان راتبه التقاعدي فوق المليون ، وكأنهم يقولون له إن حياتك انتهت بنهاية خدمتك الوظيفية ، فيما المنطق يقول ان المتقاعد ينبغي ان يكون الاوفر حظاً في سلفة المصرفين لحياة جديدة له ولعائلته !!
أحد المتقاعدين قال لي ، راتبي مليون ونصف بعد ان قضيت اكثر من اربعين عاما في خدمة الدولة وراتبي مؤمن من الماستر كارد ، وحين توجهت الى احدى شركات بيع السيارات بالتقسيط ، حسب اعلانهم ، واجهوني بالعبارة المؤلمة ذاتها ” غير مشمول ” !
والحال نفسه يتكرر والجملة ذاتها ” غير مشمول ” تتكرر، مع شركات الاقراض الاهلية والمصرف العقاري الحكومي ، ووصل الاقصاء حدوده العليا حتى شعبيا ، فالمتقاعد يجري استبعاده من السلف المالية بين الموظفين وغيرهم ، ووصلت حدود العيش خارج التغطية ، حين لايستطيع المتقاعد الاستدانة من أي من جماعة ” هذا من رزق ربي ” استباقا وتحوطاً لفكرة الموت التي يواجههاالمتقاعد العراقي وهو يحاول ترتيب حياة جديدة له !!
لاعتب على الشركات الاهلية وملحقاتها ، العتب ، كل العتب ، على المصارف الحكومية ” الرافدين ، الرشيد والعقاري ” وهم يغلقون ابواب الحياة الجديدة لمواطنين أفنوا حياتهم في خدمة الدولة ، والسبب هو العمر الذي لم ينته بعد !!
السؤال :
تخشى الحكومة ان يموت المتقاعد وهو مطلوب لها كم دينار فتتعرض للإفلاس وتستدين من البنك الدولي ؟!!
ماشاء الله الجماعة كلّهم متدينون ويؤمنون بان موت الانساان في علم الغيب الذي لا يعرفه الا الله ، لكن هذه المصارف الحكومية تحدد لك مساحة حياتك القادمة لأنك بكل بساطة ” متقاعد ” من الحياة وخارج تغطيتها !
المفارقة ان هذه المصارف مستمرة في اعلانات السلف للمتقاعدين وحين تطرق ابوابهم ، كما قالت الرسائل ، يواجهونك بابشع جملة ” غير مشمول “!!