26 ديسمبر، 2024 10:03 ص

المتقاعدون … بين الإذلال والابتزاز

المتقاعدون … بين الإذلال والابتزاز

المتقاعدون العراقيون كما هو معروف اغلبهم من الموظفين الحكوميين وقد استحقوا رواتبهم التقاعدية على وفق القوانين والتشريعات ومنها قانون التقاعد النافذ رقم 9 لسنة 2014 الذي حدد هيأة التقاعد الوطنية كجهة مسؤولة عن جمع التوقيفات التقاعدية وتعيين الراتب التقاعدي ، وعند تصفح هذا القانون وما لحقته من تعديلات وما رافقته من تعليمات لم نجد بين سطورها نصوصا تسمح بتحويل المتقاعد إلى وسيلة تباع بين الشركات ، فاستحقاق الحقوق التقاعدية من الرواتب والمكافآت تتم من خلال دوائر التقاعد في بغداد والمحافظات ومنافذها في الدفع هي المصارف الحكومية ، وان مواعيد الدفع معروفة من خلال بيانات تصدر شهريا يتم من خلالها إطلاق الصرف ، ولغرض تنظيم وتسهيل دفع الرواتب التقاعدية ولمنع ( الفساد ) فقد ابتكرت هيئة التقاعد طريقة الدفع من خلال التعاقد مع إحدى الشركات بطرق لم يعرفها اغلب الجمهور و أجازت للشركة فتح مكاتب وفروع لتكون قريبة من المتقاعدين ، ورغم عشرات او مئات او ملايين الاعتراضات على طريقة عمل هذه المكاتب بسبب المخالفات التي ترتكبها فقد أصرت التقاعد على إبقاء هذه الوسيلة بحجة إعطاء الخيار للمتقاعد في الاستلام من المصارف او المكاتب بعمولات تم تحديدها وتم فرضها رغما عن جميع المتقاعدين ، وبشكل يتيح لتلك الشركات تقاضي مبالغ ومردودات عالية عن خدمة بسيطة جدا لا تتطلب الكثير من التكاليف .
وبدلا من إيجاد وسيلة اقل كلفة وتكليفا للمتقاعدين ، فان الكثير من المتقاعدين تفاجئوا خلال الأشهر الماضية بورود رسائل نصية من شركة اسمها ( النخيل/ الرشيد ) لمراجعة مواقعها لتغيير أل ( كي كارد ) إلى الماستر كارد وبما يتيح استلام المتقاعدين لمستحقاتهم من فروع مصرف الرشيد او مكاتب الصرف الأهلية بعد إن كان بإمكانهم الاستلام من أي مصرف حكومي ، والغريب في الموضوع إن الدعوة جاءت إجبارية وليست اختيارية لوجود عبارة للتحذير بوجوب المراجعة وإلا سيقطع الراتب التقاعدي القادم ، كما إن من الغريب بان تكون المنافذ التي حددت لاستبدال البطاقة هي في منطقة شارع فلسطين لسكنة الرصافة والكرخ وان هذه المنافذ بأرقام وكل واحد مخصص لأسماء معينة من المتقاعدين ويبعد بعضها عن البعض مسافات تعد مرهقة لفئات المتقاعدين ، وهي ليست منافذ بالمعنى الصحيح وإنما هي عبارة عن أماكن استغلت كازينوهات او مطاعم ويتواجد فيها عددا غير معرف من الأفراد ، بمعنى أنها ليست مواقع تابعة للشركة او دوائر حكومية ليتم الاستدلال عليها وتقع في منطقة تتطلب استخدام السيارات الخاصة او التاكسيات لان الكيات لاتصل إليها ، مما اضطر بعض المتقاعدين لبذل جهودا كبيرة وإنفاق مبالغ لاستخدام سيارات الأجرة على نفقتهم الخاصة للوصول للمنافذ ، وبعضهم لم يفلحوا في الوصول للمنفذ إلا بعد أكثر من محاولة تتكرر كل يوم لكونهم من العجزة وكبار السن ، فالشركة لم تحدد أرقاما للاستعلام كما إنها لم تتوزع جغرافيا قريبا من محلات سكن المتقاعدين لتسهيل استبدال البطاقة وجوبا وبدون اختيار واقتناع ، وبدلا من قيام الشركة بتوفير وسائط النقل لتسهيل وصول المتقاعدين او زيارتهم في منازلهم لهذا الغرض فقد تفاجأ المتقاعدون أيضا بوجوب دفع مبلغ 10000 دينار دون معرفة فحوى دفع هذا المبلغ بدون إيصال مما عرض بعض المتقاعدين لإحراج كبير من الذين لم يحملوا هذا المبلغ لان الرسالة المرسلة لهم لم تحدد إلزامهم بدفع هذا المبلغ لغرض التحوط للأمر ، علما إن هذا الموضوع لم يتم التساهل به قط فبعض المتقاعدين طلبوا من الأفراد العاملين باستقطاع المبلغ من رواتبهم لاحقا فرفضوا ذلك مما اضطرهم للعودة إلى منازلهم لجلب المبلغ وهم يسكنون في إطراف الكرخ او الرصافة او في القرى والأرياف مما يعني تكبدهم المشقة والعناء وتكرار المراجعة لأكثر من مرة على سبيل الابتزاز والاكراه .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن المتقاعدين تفاجئوا مرة أخرى عندما تم استقطاع مبلغ 15 ألف دينار من الراتب التقاعدي تحت مسمى أجور إصدار البطاقة إضافة إلى العمولات التي تتقاضاها مكاتب الصرف ، وهذا ما دعا للتساؤل عن ماهية دفع مبلغ ال10000 دينار الذي استلمته الشركة عند المراجعة لاستلام البطاقة من ( بسطيات ) الشركة الموجودة في شارع فلسطين حصرا ، وعلاوة على المبالغ غير المبررة التي استلمتها الشركة فان كثيرا من المتقاعدين عانوا من وصول الرقم السري عبر الرسائل في الهواتف الجوالة ، كما اكتشف الكثير إن ماستر كارد النخيل فيه العديد من المخاطر التي قد يتعرض لها المتقاعدون وغالبيتهم من كبار السن وبعضهم من العجزة والمقعدين والمتعبين نفسيا او بدنيا ممن لا حول ولا قوة لهم إلا بالله العلي العظيم ومن ابرز تلك المخاطر :
. إن المتقاعد أصبحت له ثلاثة أرقام اثنين منهما في البطاقة والثالث يصله برسالة الهاتف النقال والذي يسمونه ( السري ) وان وجود الأرقام الثلاثة كاف لاستلام المستحقات دون استخدام البصمة ، مما يتيح لكل شخص استلام الراتب بدلا من المتقاعد دون الإمكانية في التمييز هل تم الاستلام بشكل شرعي او بالتحايل او غيرها من الحالات .
. إن احتفاظ أي فرد بالأرقام الثلاثة للمتقاعد يتيح له إمكانية السحب من الصرافات الإلية والمكاتب او الشراء المباشر من المولات والمحلات والأسواق التي تتعامل ب( الماستر كارد ) ، وقد تستخدم البطاقة للشراء دون علم المتقاعد بما يحصل لأمواله .
. يمكن لأي فرد استخدام الرقمين المثبتين في البطاقة في التسوق الالكتروني عبر الشبكة الدولية داخل وخارج العراق دون إبراز بطاقة الماستر كارد ، لان تلك المراكز لا تحتاج إلى الرقم الثالث ( السري ) ولا إلى البطاقة لان ما يهمها هو التأكد الكترونيا من توفر الرصيد الكافي عبر تعبئة المعلومات من خلال الرقمين لإتمام عمليات البيع ثم الشحن والتجهيز ، علما بان الشركة لم تشيع ثقافة التبليغ عن حالات الفقدان والاختراق وغيرها من الحالات كما موجود في الدول التي تعتمد هذه الطريقة في التعامل بدل النقدي .
ويسال الكثير من المتقاعدين عن الفوائد التي تحققت لهم من تبديل البطاقة رغما عنهم ومن دون إعطائهم الحق في التغيير ، فقد خسروا إمكانية الصرف من أي منفذ كما إنهم خسروا الجهد والتكاليف للوصول إلى مراكز التبديل وخسروا 25 ألف دينار وما سيتم استقطاعه منهم من الشركة في كل عملية سحب ، وهم يتعرضون اليوم لاحتمالات الاحتيال واستخدام أموالهم في البطاقات ( حتى من المقربين ) فقد كانت ضمانتهم سابقا هي البصمة التي غادرتها شركة النخيل ، ومن يعتقد إن هذه البطاقة توفر المرونة في سحب المبالغ حسب الاحتياج ، فنستطيع القول انه واهم لان المصارف والمكاتب تصرف جميع الرصيد الموجود في البطاقة دون إعطاء الخيار للمتقاعد في اختيار مبلغ السحب واغلب المتقاعدين لا يعلمون أصلا بهذا الامتياز ، فموظف المصرف يهمه فك الازدحام عليه وصاحب المكتب من مصلحته زيادة مبلغ السحب لتضخيم العمولات ، والفئة التي يمكن أن تستفيد من هذه البطاقة ( إذا بقيت على وضعها الحالي ) هم الفضائيون لأنهم يستطيعون استلام أكثر من راتب دون ( بصمة ) ودون دليل للإدانة والإثبات ، كما يستفيد منها المحتالون والدجالون الذين يستغلون أوضاع المتقاعدين فيمرروا عليهم ما يستطيعون .

أحدث المقالات

أحدث المقالات