22 ديسمبر، 2024 10:15 م

المتغطي بالامريكان عريان

المتغطي بالامريكان عريان

لا اعرف ان كانت عبارة ( المتغطي بالامريكان عريان) من اختراع الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك أم هي صناعة مصرية تفنّن في صياغتها مواطن مصري فشاعت في الامصار ، والمصريون متخصصون في ابتكار الفكاهة اللاذعة الناقدة والمعبّرة عن الحال باقصر الاقوال ، كما يعبّر عنها علماء البلاغة في الادب العربي . بالنسبة لي سمعتها اول مرة على قناة روسيا اليوم في برنامج رحلة في الذاكرة عام 2014 عند استضافته لوزير خارجية مصر الاسبق أحمد ابو الغيط ، وذكر انه بعد عودته من واشنطن في مهمة رسمية اوائل عام 2005 ، وكانت علاقات القاهرة بواشنطن في حينها سيئه ، التقى بالرئيس الاسبق حسني مبارك ليوجزه بما تمخضت عنه هذه الزيارة ، وذكر ان الرئيس بعد ان استمع اليه قال له ان المتغطي بالامريكان عريان .
استذكرت هذه العبارة الان ، وفي المخيلة علامة استفهام تفتش عن ما يمكن ان يفعله التحالف العربي في ضوء مستجدات الاوضاع في اليمن وما ستؤول اليه الاوضاع فيها بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ، وتفرد انصار الله بالسلطة المتنفذة المصحوبة بسكرة مرض الغرور بالقوة ، كما كان واضحا في خطاب السيد عبد الملك الحوثي بعد مقتل الرئيس صالح .
بكل تأكيد هناك اطراف لاتريد لحرب اليمن ان تنتهي لأن من مصلحتها استمرار تورط التحالف العربي وعلى راسه المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية في هذا الصراع لأستنفاذ قوتيهما واموالهما وبالتالي اضعافهما ، واستثمار ما تخلفه هذه الحرب والاثار الجانبية لقصف الطيران في اثارة التعاطف الانساني ، وتحميل البلدين مسؤولية انتهاكات حقوق الانسان التي تسببها هذه الحرب . وكما هو معروف فان الراي العام العالمي يتأثر بمشاهد الدمار وما تخلفه على المدنين والبنى التحتيه في بلد فقير مثل اليمن . واذا كانت المملكة ودولة الامارات تعوّل على استمرار الدعم الامريكي في الاستمرار في الحرب ، فعليهما من الان ان يتصرفا بعيدا عن هذا الوهم ، لأن المتغطي بالامريكان عريان ، والتقلبات منهج مستقر في سياسة الولايات المتحدة ، والمتابعون والمعنيون في سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومواقفها في مجلس الامن التابع للأمم المتحدة يدركون انها تعتمد على ما يسمى بالغموض البنّاء الذي يتيح لها تفسير الاوضاع والتصرف وفق ما تقتضي مصالحها . من جانب آخر علينا ان نعترف ان التحالف العربي ما كان لينخرط في هذا الحرب لولا ان نصل ايران القاتل قد وصل الى حبل وريد المملكة ودول الخليج من رمح انصار الله .
ربما يكون الوضع الآن قد نضج لمقاربة سلام ، وعلى التحالف العربي التقاط هذه اللحظة ، اذ انه على رغم مما يوحي به المشهد من انتصار جماعة انصار الله ، فهي في واقع الحال في وضع سياسي مترنح وضعيف ، وسينعكس هذا الضعف لاحقا على الجوانب العسكرية والامنية ، ولندع جانبا مظاهر الغرور التي تنعكس في تصريحات قادتها ، فستذهب ” السكرة وتأتي الفكرة ” ، وسيرى انصار الله كيف سيكونون معزولين عربيا واقليميا ودوليا من جهة، وغير قادرين وحدهم على قيادة اليمن وادارته من جهة اخرى، وملاحقين بغضب قبلي ومجتمعي داخلي يعرفه انصار الله اكثر من غيرهم، من جهة ثالثة.
مقاربة للسلام يمكن ان تتحقق في هذا الوقت ، مقاربة على غرار ما حدث في لبنان ، بعد ان رفع سعد الحريري رئيس وزراء لبنان باستقالته الغطاء الحكومي لتدخلات حزب الله والتاكيد على جدية وحقيقة نأي لبنان بالنفس ، ويبدو ان ذلك قد تحقق والاّ لما عدل دولة الرئيس عن استقالته . وفي اليمن يمكن ان يحدث الشيء نفسه ولكن باسلوب اخر ، فبعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح رفع الغطاء السياسي والمجتمعي والقبلي عن جماعة انصار الله ، وعلى التحالف العربي في هذا الوقت ان يفكر في مقاربة سلام تجبر انصار الله على النأي بالنفس وعدم الاضرار بالمصالح العربية في الخليج والتدخل في شؤونها ، والطريق الى ذلك ميسور فهناك آلية الامم المتحدة والمبعوث الخاص لأمينها العام فضلا عن استعداد دول خليجية للقيام بهذا الامر . مقاربة تتيح لجماعة انصار الله ان تساهم في بناء اليمن كواحدة من المكونات الايجابية التي يهمها استقرار اليمن وتقدمه ، وان لا تعّول على ايران في بناء مستقبلها السياسي ، لأن ايران حالها كحال امريكا تبحث أولا عن مصالحها وتستخدم انصار الله وغيرهم ادوات لتحقيقها ( والمتغطي بايران كمان عريان ).
من شان هكذا مقاربة ان تؤدي الى تراجع تأثير ايران في اليمن كما تراجع في لبنان ، والمستقبل المنظور مليئ بالتحولات .