23 ديسمبر، 2024 3:59 ص

المتظاهرون..وقواعد الإشتباك!

المتظاهرون..وقواعد الإشتباك!

لم يعد الحديث اليوم ، كما يقول الفنان كاظم الساهر عن التي أهواها ، لأن (قواعد الإشتباك) في الحب، كانت تستخدم أساليب مشروعة، تبدأ من النظرات، ومن ثم ترتقي الى حالة الإعجاب، وبعضهن يخترقن الإعجاب من أول وهلة ، حتى يصاب من يقع في غرامهن ، بالإغماء ، ولكن ليس على طريقة الاغماء الذي يصاب بعض المتظاهرين، بعد إطلاق قنابل الدخان عليهم من طرف ثالث!!
صحيح أن قيس بن الملوح وعنترة بن شداد وكل فرسان العرب كانوا يستخدمون (قواعد الإشتباك) التي يتميز بها أؤلئك الابطال الميامين في حروب الجاهلية، وهم في غاية تذكر حبيباتهم ، في ساحات الوغى، وهم يتغنون بهن، وبشفاههن الحمر التي تشبه لون السيوف بعد إن عمدها الابطال بالدماء، بعد ان التزموا بمعايير أخلاقية الفرسان ، من أن البطل لاينافس او يقاتل الا فارسا واحدا يناظره في القوة ، وقد يواجه مجموعة فرسان في حروب على شاكلة داعس والغبراء وحرب البسوس!!

وفي كل الحروب الحديثة، وضعت للمقاتلين في أغلب جيوش العالم مباديء وأسس ، وأخلاقيات متعارف عليها ، أطلقوا عليها (قواعد الإشتباك) ، لكي يكون بمقدور من يخوض الحرب أن يحقق النصر على الأعداء بأقل الخسائر، واكثرها سرعة في الحسم، وفي إرغام الآخر على الاعتراف بالهزيمة، ووفق معايير لاينبغي تجاوزها!!

ويحمد شباب هذا البلد هذه الأيام الله جلت قدرته ، لأنهم لم ينخرطوا في الخدمة العسكرية، ولم يعرفوا حتى (الإستاريح والاستاعد) ربما الا في المدرسة وهم في المرحلة الابتدائية ضمن درس الرياضة، والكثير منهم لم يستخدم بندقية او مسدسا في حياته ، لكي يتعلم (قواعد الإشتباك) ، اللهم الا في لعبة (البويجي) التي نسمع كثيرا من صبية اليوم وقد كانوا يستخدمونها ضمن لعبهم اليومية المفضلة قبل أحداث التظاهرات!!

والمشكلة أن قيادة عمليات بغداد وبعض القادة العسكريين في محافظات أخرى ، تحدثوا لمرات ، عن التزامهم بـ (قواعد الإشتباك) مع المتظاهرين السلميين، بل أنه حتى السيد رئيس الورزاء أشار في أكثر من مرة الى أن القوات الأمنية تلتزم بمبدأ (قواعد الإشتباك) في ساحات التظاهر، بالرغم من أنني على يقين بأن السيد رئيس الوزراء لم يدرس يوما (قواعد الاشتباك) ولم يعرف او يتعرف عليها في سني حياته التي لابد وانها تجاوزت الستين من العمر، بالرغم من انه دخل ثلاث مرات في صراعات سياسية بدأها بقومية ، ثم شيوعية، وآخرها إنضم الى التيارات الدينية، وكان له في كل منها صولات يعرفها هو قبل غيره!!

وكما هو متعارف فأن (قواعد الإشتباك) تستخدم في معارك مع (عدو خارجي) يضمر الشر للبلاد ولمواطنيها، وهي تستخدم في الحروب التقليدية، مع جيوش دول ، لكن كثرة إستخدام (قواعد الاشتباك)، بالرغم من اعداد الشهداء والمصابين بجروح خطرة واصابات بليغة، في ساحات التظاهر ، وهم بالالاف، يثير علامات الاستغراب والريبة،عن الطريقة التي تجري بها الحروب والمواجهات مع متظاهرين، وهي أشبه بحالات الكر والفر!!

ويذهب بعض القادة العسكريين، وبعضهم كانوا متقاعدين ، وقد عادوا الى الخدمة ، ويرتدون (الزيتوني) و(البيرية السوداء) للدلالة على أنهم كانوا من المحترفين في الخدمة العسكرية منذ مشاركاتهم في الحروب السابقة مع ايران، على أن القوات الامنية تجيد الان (قواعد الإشتباك) عند مواجهاتها مع المتظاهرين، وعند إطلاق الرصاص الحي وقنابل الدخان المسيلة للدموع، وهم يعتبون على المتظاهرين أنفسهم لانهم لم يستخدموا (قواعد الاشتباك) مع القوات الأمنية ، وقد استخدموا قناني الماء والبيبيسي كولا في رشق تلك القوات ، وعند فحص تلك القناني تبين انها أطلقت من طرف ثالث!!

وردد قادة عسكريون انه سيتم محاسبة من يطلق عليهم بـ (مثيري الشغب) من المتظاهرين، في ساحة التحرير وفق (قانون 4 ارهاب) ،لأنهم إستخدموا (قواعد إطلاق) للألعاب النارية في ساحة التحرير بكثافة ، وأناروا بها سماء بغداد ، عند احتفال حشود المتظاهرين في ساحة التحرير بالفوز الكبير للفريق العراقي على نظيره الإيراني ، وعدوه ، نصرا مؤزرا آخر رفع من معنوياتهم، وشد من أزرهم في أن فريقهم الرياضي رفع إسم العراق عاليا، وقد هتف له ملايين العراقيين : منصورة يابغداد!!

ومن البديهي أن لايعرف المتظاهرون السلميون (قواعد الإشتباك) ولا يجيدون إستخدامها، وهم لايعدون أنفسهم في (مواجهة) مع قواتهم الأمنية، التي يفترض بأنها هي من تحميهم وتحافظ عليهم من أي أذى يصيبهم، وعليها ان لا تتحدث أبدا عن (قواعد الإشتباك) لانها لاتواجه (عدوا خارجيا) ، كي تجيد (قواعد الاشتباك)، وانما هم ابناء شعبها، الذين يريدون لها الرفعة والسمو، وان يكون بمقدور العراقيين بضمنهم العسكر، حكم بلادهم بأنفسهم، دون وصاية او تدخل خارجي، أو تبعية للآخر!!

ومن دواعي الفرح والسرور أن يجلب بعض المتظاهرين أخواتهم وأمهاتهم ليزرن ساحات التظاهر، وبعضهم إصحب حبيبته، والاخر عقد قرانه في ساحة التحرير، واستقل آخر منهم (التكتك) للزواج من خطيبته في ساحة التحرير، كونهم يريدون تحويل تلك الساحة الى ملتقى الأحبة ، ولكي يشعر العراقيون بالفخر لأن هؤلاء الفتية والشباب أظهروا من الشجاعة والبطولة والفداء ما يشكل مفخرة لكل عراقي شهم غيور ، وذهب كثير منهم شهداء وجرحى ومصابين ، وهو فخر لبلد يريد ان يعيد سمعة بلاده وكرامة شعبه الى علياء السماء!!

وكم يتمنى كثير من العراقيين لو تم منع الحديث تماما عن إستخدام (قواعد الإشتباك) ، مع المتظاهرين ، سواء من قبل السيد رئيس الوزراء أو القادة الأمنيين، لانهم ليسوا في طور (المواجهة) مع شعبهم، كما أسلفنا وهو إسلوب يستخدم كما أشرنا في حروب مع الأعداء والخصوم، ومن غير المنطقي تكرار إستخدام هذا المصطلح ، في المواجهات الجارية حاليا، في ساحات التظاهر، مهما بلغت درجة العنف، بين الجانبين!!

ولو جرى الإستماع بجدية لمطالب المتظاهرين، ولو جلس السيد رئيس الوزراء معهم قبل ان يوغل بدماء الكثيرين منهم، واطلع على مايريدون، لكان بالإمكان ايجاد حل لتلك المأساة، التي لايريد العراقيون أن تتحول الى (فوضى) تصيب البلد بالشلل التام، وهو لو جاءهم زائرا وضيفا، الى ساحة التحرير ، برغم كل ماحدث، وجلس معهم وناقشهم على المطالب المشروعة، وتعهد لهم بكفالة ( الدم العراقي) وان يعوض شهداءهم بما يستحقون ويكرمهم كالابطال، وقد حقق لهم بعض المطالب الان، فلابد ان يستمعوا له وربما يقتنعون بوجهة نظره، مهما كانت درجة الخصومة بينهم، ويخلصوا ملايين العراقيين من مصير مجهول، يمكن أن يصيب البلد ، بأضرار لاتحمد عقباها، وهو ما يدعو للبحث عن (حل سريع)، لأن اطالة أمد الأزمة سيحرق البلد باكمله، ومن غير المعقول أن يطول تجاهل مطالبهم المشروعة كل هذا الوقت..!!

وينبغي أن يدرك السيد رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي أن الدم العراقي أصبح (قضية القضايا) التي لاتقبل المساومة أو السكوت، ، وهو يتحمل وزر هذه الدماء التي سالت، في زمنه، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وكان لايفترض أن تحدث كل تلك الفواجع والكوارث، ويذهب دماء المئات من الابرياء قربانا للساسة، الذين أفسدوا في الارض، وملأوها فجورا وطغيانا ، ولم ينصتوا لصوت الشعب، منذ 16 عاما، وقد تجرع العراقيون في زمنهم كؤوس الذل والمهانة ، بلا مبرر، ونحن نعرف ان عبد المهدي ليس وحده من يتحمل تلك المأساة، لكنهم تركوه يواجه مصيرا لايحسد عليه!!

وأمنياتنا أن ينقذ الله العراق من المصير المجهول، ويتحمل قادة البلد مسؤوليتهم التاريخية، في الانصياع لصوت الحق ، الذي انطلق وهجه، وليس بمقدورهم وقف هيجان الشعب، والتنبؤ بتداعيات مايجري، إن لم يتسارعوا في إنقاذ البلد من محنة أليمة، كفانا الله شرورها، وجنب العراق ويلاتها التي لايتمناها أحد من العراقيين، وكي لايكتوي هذا الشعب بنيران حروب لاتبقي ولا تذر!!