18 ديسمبر، 2024 8:22 م

المتظاهرون ليسوا دواعش

المتظاهرون ليسوا دواعش

ثغر العراق الباسم ينزف ثرواته الى دم بشره ، البصرة ليست محافظة عادية ، وانما استثنائية ، فهي تطفوعلى بحيرة من النفط ، ما يستخرج منه يشكل العمود الفقري للدخل الوطني ونصيب اهلها النزر الذي لا يسد الرمق ولا يشغل عاطلوهاعن العمل وموقعها الجغرافي لا يتخيل عراق من دونه ، لا ينتفع منه على الوجه الاكمل ، ووجد ت المافيات المتلفعة باردية من الوان واشكال مختلفة مرتعا لها هناك .. وايضا بفعل قائمين على ادارتها جعلوا سمتها شظف العيش لا عمل ولا خدمات ، حتى ان فضلاتها تطمر شوارعها وصحتها في تدهور مستمر ، اعادت امراضا اليها ليس لها من مكان الا في مراكز الابحاث وباتت المخدرات تفتك باهلها ومع هذا وغيره يدعون النا س الى السكينة والهدوء واعطائهم فرصة اخرى للحكم !.

الجديد انه ممنوع على البصراويين ان يقولوا آخ ويحتجوا على ما هم فيه من ضيم لا يطاق

ولا يحق لهم التمتع بما نص عليه القانون والدستور للمطالبة بفرصة عمل وما الى ذلك .

في ظل استشراء البطالة وانسداد منافذ فرص نهايتها جراء الفساد تظاهر بعض شبيبتها في الطريق المؤدي الى احدى الشركات النفطية ، وهم لا يعلمون ان قرارا غير معلن بمنع التظاهر بالقرب منها ، والاقتراب من حراس الشركات خطر مميت بقرار اجنبي وتنفيذ عراقي ، لم يحدث هذا في التاريخ العراقي ، زمن الاحتلالين البريطاني والاميركي ، فحصدت القوات الوطنية روح احدهم وجرحت اربعة اخرين من” دواعش العاطلين “.

ليست المرة الاولى التي تستاسد القوى الامنية على المتظاهرين العزل وتفتك بهم، فقبل سعد المنصوري كان منتظر الحلفي وضاع دمه وتوزع على البنادق وعوض بدنانيير لا تغني ولا تسمن عن جوع وتعوض عن اثمن راس مال .

من هنا السلطات تشجع على القمع وارتكاب الجريمة ، فلذلك لم يتورع الحراس عن اطلاق النار الحي ، ولم يستنفذوا الوسائل الاخرى لصد المتظاهرين ، حتى ان لم يرتدعوا فهم يمتلكون امكانات دولة ليس صعبا ان تفض مثل هذه التظاهرة المحدودة العدد .

الواقع ان ارتكاب الجريمة رسالة بشعة بتحريم التظاهر الذي حلله القانون وتدل على استهتار فاضح من مجموعة لا تعطي وزنا لحياة الناس ولا تخشى القصاص القانوني وفي النهاية اخافة المواطنين وارعابهم . انها تعكس فوضى حكومية و”تفرعن” في بعض الاجهزة الامنية وصارت كل منها دولة حاكمة ناهية في وحدنها والرقعة الجغرافية المسؤولة عنها لها قانونها الخاص وسطوتها الى درجة انها على استعداد لفبركة العذر للمرتكبين بزعمها ان المتظاهرين كانوا مسلحين .

الان ، الغضب لا يقتصر على اهل البصرة لوحدهم ، وانما يعم البلاد كلها لان الحادثة ليست عرضية وهي جريمة يمكن ان تقع في اي مكان بالبلاد بل وقعت مثلها في مدن اخرى . الجماهير تغلي من الاداء السياسي السيء للسياسيين وانعدام الخدمات والتدهور الاقتصادي يضاف اليها كارثة التزوير والتلاعب بتنتائج الانتخابات واستعصاء تشكيل الكتلة الاكبر والتدخلات من كل حدب وصوب الى جانب انهيار الامن في اكثر من مكان .

الحكمة والسياسة العقلانية للادارة فقدت وحلت الفوضى محل حكم القانون فلا غرابة ان يهدد شيخ عشيرة علنا الحكومة ويذكرها بواجباتها ويحاول المسؤول ان يسترضيه.

ان هذه الاوضاع السائدة من صنع ايدينا عندما لم نحسن الاختيارللحكام وانما اخترنا قادة لا ينتج عن ادائهم الا هذا الذي نعيشه ..واكبر دليل ها هم عادوا الى البحث في تقاسم النفوذ والسلطة وديمومة نظام المحاصصة فلا تستغربون من البلاوي التي تنتظرنا ما لم تهب حركة جماهيرية واسعة وجذرية لاصلاح ما نحن فيه وبناء دولة المؤسسات الحقيقية .

ما حدث في البصرة سيتكرر في كل انحاء الوطن لا يمكن ايقافه الا بوقفة جدية ضد المنتهكين للقانون ومن ورائهم عند حدهم ومحاسبتهم على فعلتهم الشنيعة ليكونوا عبرة لمن يعتبر وهذا ما تحققه حكومة ودولة مدنية ديمقراطية بعيدا عما قائم الان .