23 ديسمبر، 2024 4:48 م

المتصارعون على قصعة الوزير..!

المتصارعون على قصعة الوزير..!

الإنقلاب السريع الذي حدث في جلسة إستحواب العبيدي كشف المكشوف والمخفي للناخب الذي ما زال مصراً على نزاهة ومصداقية هذه السيدة أو ذلك النائب الممثل للكتلة المعاكسة..!عملية الإستجواب تحوّلت إلى صراع بين الكتل السياسية، ولكي نكون أكثر إنصافاً، بعض الكتل السياسية. فكانت الخريطة النيابية المهتمة بموضوع الوزير كالتالي:
١-كتلة دولة القانون جناح السيد المالكي وهي الكتلة التي أصرت منذ فترة طويلة على إستجواب الوزير بمناسبة أو دونها، وقد حمل هذا الملف (حنان الفتلاوي) و (عالية نصيف). 
٢- كتلة تيار الصدر وهي الكتلة التي دافعت عن الوزير ونصبت نفسها محامي دفاع.
٣- كتلة عائلة الكربولي، وهي الكتلة الساندة للاستجواب ضد الوزير.
٤- تحالفات شبه معلنة بين تلك الكتل وبعض الأعضاء والكتل الأخرى، بمعنى إن هناك مجموعة كبيرة تقف مع الإستجواب وهذه المجموعة ذات أغلبية سنية.      

الخريطة أعلاه لا تمثل جميع مجلس النواب، وفي وسط ذلك  الصخب يثار سؤال كبير يكشف خفايا أكبر؛ ما هو دور وموقف باقي الكتل؟! 
الواقع إن تلك الكتل بقيت مصداقاً للمثل العراقي (الأطرش بالزفة) الذي لا يعلم  بما يدور حوله من صفقات، سيما إن الإتهامات عكست بما لا يقبل الشك عن تنافس بين تلك الكتل الأربعة للظفر بالقرب من الوزير بغية الإشتراك في (مغانم الوزارة) وحسب تعبير رئيس البرلمان للوزير “وزارتك هي مصدر الأموال”. الوزير جلب   الكتل الأربعة التي تصارعت على إبتزازه، إلى المنطقة التي وضعوه بها، ويبدو إنه حاصل على دعم من كتل لم يكن لها دور في تلك القضية بعد أن عرض عليهم الملفات. وبذات الوقت لم يكن مهتماً بالكتلة المدافعة عنه، ويبدو من سياق الطرح إنه كان مستعداً لكشفهم أيضاً، وهذا ما حدث فيما بعد. كتلة المالكي ممثلة بحنان الفتلاوي وعالية نصيف، ومعهم ما يسمى (جبهة الإصلاح) يسعون لإقالة الجبوري، مع بعض الإختلافات البسيطة حول الموقف من العبيدي، لكن الإتفاق هو إستجواب الوزير لأسباب منطقية حسب ما هو معلن، وبالتالي يكفل الدستور والممارسة النيابية هذا الحق. كتلة الصدر تعترض على ذلك الإستجواب، وظاهر الإعتراض يتقاطع مع حركتهم القائمة على مفردة (شلع قلع)..! 
تبدو المعادلة غريبة، وأقرب ما تكون لكسر الإرادات بطريقة المراهقة السياسية، بمعنى إن الخصم ينتظر موقف خصمه ليعلن العكس!.. 
تفكيك ذلك التعقيد، وتبسيط الغرابة، أحدثه موقف العبيدي والحراك  الذي أعقبه. فأنكشفت اللعبة على أصولها، وأتضح إن خلاف مجموعة الصدر مع مجموعة المالكي هو خلاف مالي بحت. حنان الفتلاوي التي فقدت سطوتها في الحكومة وقدراتها الهائلة في كسب الجمهور الإنتخابي من خلال التعيينات، إستثمرت علاقتها مع النائب السابق حيدر المُلا الذي كان عراباً لصفقة سابقة جمعت الفتلاوي بخميس الخنجر، وحسب كلام الوزير المستجوب فأن الفتلاوي ومن خلال حيدر المُلا طلبت مليوني دولار ثمن الكف عن إستهداف الوزير، وهذا أصبح أحد ثوابت قضية إستجواب العبيدي الأمر الذي وضع الفتلاوي تحت طائلة منع السفر، وهو ما أثار حفيظتها فكشفت أوراق منافسيها على قصعة الوزير؛  وهنا يتجلى سر وقوف تيار الصدر مع الوزير الذي أدعت الفتلاوي إبتزاز التيار له، بدليل إن عجلات حاكم الزاملي تحمل لوحات الدفاع!.. 
وهذه العجلات تجلب الشك، وتفتح الطريق لما هو أبعد بكثير، وبالتالي يخشى أتباع الصدر أن يفقدوا الإمتيازات التي تقوّم حركتهم السياسية، والتظاهرات كمثال. وهنا تتجلى أقبح المضحكات؛ وسيلة حراك مدعي النزاهة؛ عبارة عن فساد وصفقات!..
ومثيلتها مهزلة أخرى؛ فجبهة إصلاح برلمانية قائمة على ملفات إبتزاز وتعيينات خارج الضوابط.. ذلك ملف عضو جبهة الإصلاح (عالية نصيف) التي فضح الوزير قضايا فسادها وإبتزازها وتحويلها لعقارات. إنّ كتلتي، الصدر والمالكي، الأكثر ضجيجاً وإدعاءاً للإصلاح، فواحدة قطعت الطرقات بحجة الإصلاح والثانية إحتلت البرلمان تحت نفس الذريعة؛ إتضح إنهما أفسد الكتل السياسية وأكثرها إجراماً بحق الشعب، وهذا يؤشر على أسماء المفسدين في الواقع السياسي العراقي بما لا يقبل الشك.       الوزير فند مزاعم حصر الفساد بمكون معين، فحملت ملفاته أسماء أبرز عناصر إتحاد القوى التي ينتمي إليها الوزير؛ فالكربولي يعد مصدراً مالياً مهماً والجبوري رئيس السلطة التشريعية ممثلاً  عن المكون السني، وسمسار الصفقات حيدر ملا.  يحسب لرئيس البرلمان هدوءه ورصانته المعهودة عكس الأسماء الأخرى التي لجأت كعادتها إلى الصراخ والضجيج. غير أن ذلك الهدوء لا يبرأ ساحة الجبوري، فأسمه ورد كمتهم وعراب  لصفقات الفساد حسب إدعاءات الوزير. إن موقف العبيدي من الأسماء السنية، يعد خروجاً على بعض مثالب العملية السياسية في الوسط السني القائمة على مبدأ “إنصر أخاك..” ولعلها المرة الأولى التي يظهر بها الخلاف السني إلى العلن وتحت قبة البرلمان، وهذا يفتح باب صراع؛ فأما أن ينتصر الوزير ويتحول إلى الرقم السني الأول، ولكن ليس بثوبه المذهبي بل كأسم وطني، ويبدو إن هذا الطموح المشروع لم يغب عن العبيدي الذي نشط بشكل واضح بعد الإستجواب في مناطق مختلفة من بغداد وهو يطلق رسالة مكررة ولكن بكلمات وصيغة جديدة. ومع إن تحديد نوايا الوزير قبل فحص الملفات، من الأمور الصعبة، إلا إن تصرفه يعتبر حملة مواجهة قوية ضد رموز الفساد الذين وردت أسماؤهم في الجلسة وبعد الجلسة عندما بدأ نشر الغسيل.  وهي بالضرورة أسماء تعبر عن كتل وليس أشخاص منفردين، غير أنّ الهارب الوحيد من تلك الأسماء هو الصدر وأتباعه الذي ثبت تورطهم بالفساد بطريقة الإبتزاز، ويبدو إن الفتلاوي على إطلاع كامل بملف الفساد الصدري إبتداءاً من إحتكار التعيينات وصولاً إلى فضيحة “عجلات الزاملي” وما لم يُذكر أكثر بالتأكيد. في ظل تلك الخلطة الرهيبة يغض الناخب العراقي عينه عن حقائق تكشف لأول مرة. هناك ناخب يتظاهر ضد الفساد، وهو مؤيد وتابع لكتلة راعية للفساد ولكنها تريد إحتكار الصفقات لها حصراً. وهناك ناخب آخر مؤيد لجبهة (إصلاح) تدعي محاربتها للفساد، وثبت فسادها والسعر الذي تتعامل به. المثير للشفقة إن هذين الناخبين، ما زالا يتصارعان من أجل نصرة الناهبين!..