لم يكن طه حسين أعمى بصيرة حين ألف كتابه عن الشعر الجاهلي في عشرينيات القرن الماضي، وأنما كان أعمى بصر فقط، وحينها لم يقابل الكاتب بعد كل الضجة التي أثارها كتابه سوى بسحب كتابه من التداول وإعدام نسخ الكتاب، ولكن ربما بعد أن نفذت آخر نسخة منه في الأسواق، ولم تجابه الأفكار التي وردت في الكتاب سوى بردود من هنا أوهناك ومنها كتاب لمصطفى صادق الرافعي لمناقشة آراء طه حسين التي كانت صادمة للفكر التقليدي السائد آنذاك ولم يكن هناك غوغاء ليسحلوه رغم ارتفاع نسبة الأمية.
الكاتب الاجتماعي والتنويري سلامة موسى هو الآخر، ومع كل الأفكار الصادمة للبيئة والفكر التقليديين في مصر آنذاك مثل نظرية التطور واصل الانسان وانتقاده للاديان، و التي كان يطرحها من خلال كتبه، لم يحكم عليه أحد بالإعدام او يحشدوا عليه الغوغاء لقتله اوسحله وإنما جوبه بطرق أخرى منها السخرية كما فعل معه الكاتب عباس محمود العقاد في مقال له تحت عنوان (سلامة بك موسى المراحيضي) لانه طالب حينها بفتح مراحيض عامة للفلاحين في المزارع (الغيط) .
ودخل الأزهر على خط إدانة الشيخ علي عبد الرازق وحرمانه من (الأعلمية) بعد كتابه الإسلام وأصول الحكم، وذلك لإنكاره الأصل الديني للخلافة في الإسلام، مما أدى إلى إدانة الكتاب والكاتب ولأسباب سياسية لا علمية، في فترة كانت هناك دعوة لتولي ملك مصر فؤاد للخلافة على أنقاض الخلافة العثمانية، ولكن مواجهته لم تصل إلى حد القتل أو الإعدام اوتحشيد الغوغاء ضده.
في العراق الصحفي ميخائيل تيسي صاحب جريدة كناس الشوارع الساخرة كتب مقالاً تحت عنوان (قاب مكنستين أو أدنى) اعتبر العنوان في حينها مهيناً للإسلام لاستخدامه تعبيراً قرانياً، لم يقتل ميخائيل تيسي، لكن الرد جاءه من محمد القبنجي في بسته غنائية أريد لها أن تكون فيها اساءة للنصارى واتهامهم بالبخل (سودنوني هالنصارى، يانصارى شصار بيكم ماتضيفون الييجيكم)
أما ألجواهري فبعد نظمه قصيدة الرجعيون التي شتم بها رجال الدين بشكل مقذع فلم يكن الرد عليه سوى بالشتم أو بالكلام البذئ الذي طال أخلاقه ولم يتهم لا بعقيدته ولا بالكفر ولم يتطاول عليه الغوغاء.
الزهاوي والرصافي ومع كل الافكار الشاذة عما هو سائد في البيئة التقليدية لبلد مثل العراق والتي قاما بطرحها في عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي كنظرية التطور او الاساء ة للدين، لم يتعرض لهم احد سوى بعض البلطجية اوالشقاوات المدسوسين غالباً من بعض الحاسدين اوالمنافسين لهما وربما على سبيل التخويف الممزوج بمزاح.
في العالم العربي سابقاً قد تجد هناك إفراداً من المتطرفين في هذه الحركة السياسية أو تلك، مع مرور الوقت ومع (الصحوة الدينية!) بحسب البعض، الأفراد المتطرفون أصبحوا جماعات متطرفة، ومع التنامي المضطرد لتأثير وسائل الأعلام والفضائيات التي يطغى عليها الطابع التحريضي خصوصا في الجانب الديني والطائفي قد نجد أنفسنا أمام شعوب بأكملها متطرفة، خصوصاً مع تراكم الثروة في مناطق الجدب الحضاري وشحتها في جانب الثراء الحضاري الذي تعاني شعوبه من الفقر المدقع واليأس من الحياة الدنيا، مع وجود قيادات دينية تأتمر بأمر دول التراكم المالي وتنصب من نفسها متحدثاً رسمياً بأسم الله لتخدع وتُسير مجاميع كارهة لأوضاعها ولنفسها وللآخر ومغيبة الوعي، وماهي الاضغطة زر مع اشاعة بسيطة لتوجيههم لفعل ما بدون ارادتهم، ونظرية السلوك الجمعي تضرب لنا الكثير من الامثلة في هذا الشأن. لقد فعلها الاسلاميون في الموصل في عام 1959 ضد المسيحيين باشاعات طالتهم لان اغلب شبابهم من المنتمين للحزب الشيوعي، وحينها اشاعوا بان المسيحيين يطالبون باستقلال (تلكيف) واختلقوا لهم شعاراً زعموا انهم رددوه (التلكيف استقلالخ دين محمد بطالخ) فأصبح اللي مايشتري يتفرج على حال المسيحيين في الموصل، حتى ان موسم هجرتهم من الموصل الى البصرة بدأ يتضاعف بشكل كبير في ذلك الحين بعد ان اصبح ثمن رأس المسيحي 5 دنانير يقبضها الشقاوة والبلطجي قبل تنفيذ القتل.
كيف يمكن للحشود المؤمنة التي انهالت بالضرب حتى الموت على الشيخ حسن شحاتة وأقرانه من (الرافضة) أن يتسامحوا كل هذه الفترة مع فيفي عبدة أهم راقصات مصر والتي حصلت في استفتاء مصري على شعبية لاتضاهى وربما على نسبة اكبر من نسبة الرئيس المصري في استفتاء الرئاسة، إلا إذا كانوا يعتقدون بأن فيفي عبدة اشرف منهم.
هؤلاء الأوباش لم يفكروا في تحسين أوضاعهم المعاشية أو تلبية دعوة قوى سياسية للخروج بتظاهرة يطالبون فيها بحقهم في الحياة بما يليق بالبشر، وإنما تناخوا للفتك بأشخاص لا يعرفون عنهم شيئاً ولا عن أفكارهم.
ثم كيف لقرية لايوجد بها سوي17 منزلا تضم150 شخصا ينتمون إلي المذهب الشيعي أن تخاف على عقيدة ابنائها منهم بينما عدد سكان القرية يصل إلي أكثر من50 ألف من المسلمين، وهذا ما نقلته تقارير جريدة الاهرام وصدى البلد المصريتين، كذلك يمكنك أن تتعجب لتخوف الشيخ القرضاوي على مصر من تشيع بضعة مئات من الشباب فيما ان عدد سكانها تعدى الثمانين مليون.
تقرير الاخبار عن حادثة قرية ابو مسلم يذكر بالنص (واضاف الاهالي ان وجود الشيخ حسن شحاتة المعروف للجميع بتشيعه وحضوره للقرية جعلهم يخافون علي اطفالهم الصغار ان يتحولوا إلي شيعة) الا يدل هذا على اهمالهم لاطفالهم وعدم تلقينهم مبادئ دينهم وتحصينهم من الانجراف مع التيارات (الهدامة) وكذلك دليل على عدم تدينهم.
لكن السؤال هو عمن أشاع الخوف في هذه القرية الراكدة وبأي هدف يشاع الخوف بين جنباتهم عن عدو وهمي لايكادوا يعرفوا عنه شيئاً الا اذا كان الهدف هو دفع الخائف (ابناء القرية) الى الاحتماء بجماعة غرضها السيطرة على الجموع الخائفة، ونظرية التخويف من أجل السيطرة نظرية قديمة اهم وسائلها الاشاعة وتقنيات اعلامية الاخرى.
لايهمنا ان يتحول اي شخص ما من عقيدة الى عقيدة وفق قناعاته اومعطيات ما، ربما بدت له في لحظة فارقة ما في حياته انها هي الحقيقة، سواء تحوله من التسنن الى التشيع اومن التشيع الى التسنن اوحتى من دين لآخر، لكن المخيف في الأمر أن تستغل هذه الجموع العريانة والجائعة والتي تحيا حياة البهائم الى اداة يستغلها متحدثون رسميون باسم الله جائعون ولكن للسلطة والمال والجنس ولن يجدوا اداة اسهل وارخص من استغلال مثل هذه الجموع والسيطرة عليها وتوجيهها انى شاؤوا.