ما لاشك فيه أن في الاتحاد قوة، ولا ينكر ما للتحالف والتكاتف من غلبة وحصانة، يتحققان لدى المتمسكين بهما، عكس الفرقة والشتات وما يخلفانه من وهن وضعف لدى المتعنتين باتباعهما، ومن البديهي أن مجتمعنا العراقي اليوم بأمس الحاجة الى مقومات القوة، لاسيما بين رؤوس الحكم ومسؤوليه الذين يتبوأون المراكز العليا في البلد، وعلى وجه الخصوص، الكتل والتحالفات التي من المفترض ان تكوّن باتحادها، صوتا واحدا ويدا واحدة، لتكون الحصيلة النهائية كيانا قويا، لا تطيحه التسقيطات، ولا تحرفه الرياح المعاكسة، ولا تثني عزمه القوى المعادية.
وللوصول الى اتحاد بمثل هذه المواصفات، يتحتم على المتحدين تجاوز الخلافات فيما بينهم، بل طيها طي النسيان، والالتفات الى الأنفع والأجدى والأكثر فائدة، بغية الوصول الى استقرار سياسي، لتحقيق الغاية المنشودة وهي استقرار البلاد بباقي جوانبها، ليتسنى بعد ذاك التوجه الى البناء والإعمار بعد عقود الدمار الذي شمل البلاد.
وبالرجوع الى التعديل الذي جرى على قانون الانتخابات في حزيران عام 2013، ولقول الحق والشهادة به، فإن هذا التعديل فتح أفقا جديدا ومجالا رحبا، لمن يريد التآلف والتكاتف من الكتل الصغيرة والقوائم، إذ منح الكتل الصغيرة مساحة أوسع، للحصول على الأصوات التي تمكنها من دخول العملية الانتخابية، من التي لم تحظَ بـ 100 ألف صوت، فكان هذا داعما لروح التكاتف والتآرز بين القوى الصغيرة، لتكوين قوة كبيرة بإمكانها تحقيق الأهداف المشتركة والإيديولوجية المرسومة في برامجها كما ينبغي.
إلا أن الذي يحصل في العراق الديمقراطي الجديد، عقب ظهور نتائج صناديق “الافتراء” في العملية الانتخابية الأخيرة، هو ائتلافات وتآزرات وتكاتفات تهدف الى مالايصب في مصلحة البلاد والعباد، كما ان الغايات في هذا تتباين بين الظاهر المعلن، والباطن الخفي، فأما الظاهر فهو خدمة العملية السياسية، وتعديل الانحرافات فيها، ومعالجة التلكؤات التي رافقتها، وكذلك تقديم أكثر مايمكن تقديمه من رفاهية، لإسعاد المواطن “العزيز الحبيب” من خلال بناء قصور له في الخيال، وتشييد جنائن معلقة في الهواء، فضلا عن وصول حصته من “النفطات” الى باب داره، وتوفير سكن (Full option) لمن بلغ الثامنة عشر من عمره، وملعقة ذهب تنتظر الجنين في بطن إمه، إذا كان من أب عراقي وأم عراقية، ومرتب ثابت من عائدات البترول، وضمان مستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده الى يوم يبعثون.
أما الباطن فهو في الواقع لم يعد مبطنا كما يخاله البعض، وماعاد معناه (في قلب الشاعر) كما كان، فقصائد جميع الكتل والائتلافات -المتحالفة والمتخالفة- باتت مقروءة ومسموعة لدى أبسط مواطن عراقي، كاسطوانة قاء عليها الدهر، وتغوطت عليها بنيات الليالي، إذ ولّدت لديه التجارب السابقة قوة حدس وسرعة بديهة، تمكنانه من الحكم على مجريات الأحداث بشكل صائب ودقيق، إذ تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فيما يكيد له المتحالفون من مكائد، وما يتأبط له المتآلفون من شرور.
فلقد شهدت الساحة العراقية منذ بداية هذا العام، تحضيرات على قدم وساق لطبخ ائتلافات، وطهي تحالفات كلا حسب مذاقه، ومن المؤكد أن حصة المواطن من التمر النوى، ومن العنب الحصرم، ومن الرطب الحشف، وسيخرج من حفلة المولد بلا حمص، ليجسد بيت الأبوذية القائل:
يهالمبعد بظعنك .. ونه ونه
أنا غناي علمودك .. ونه ونه
ثاري التمر للغير .. والنوه النه
وانا عثوگك مربيهن بديه