كلما يمر ذكرى الهجوم الامريكي على العراق في ربيع عام 2003، والسقوط المذل لنظام صدام، تظهر تصريحات هنا وهناك، معظم هذه التصريحات صادرة من اعوان النظام المقبور او من بعض الجهات او الشخصيات القصيرة النظر، او من قبل جهات تعادي الولايات المتحدة لكونها، دولة كانت طوال سنوات خلت وما زالت لا تضمر الخير للشعوب، لطبيعة نظامها الرأسمالي الاحتكاري، وتاريخها حافل بالتآمر على الحركات التحررية والانظمة الوطنية في العالم. هذا أمر لا جدال فيه. الا ان معظم تلك التحليلات تفتقر الى رؤيا تاريخية معمقة، وهي تنطلق كما اسلفت اما من جهات تضررت من سقوط النظام، او من بعض الشخصيات او الجهات التي تتعامل مع هذا الموضوع الحساس، على انه مؤامرة دبرت لانتزاع السلطة من مكون يعتبر نفسه الوريث الشرعي للامبراطورية الاستعمارية العثمانية، وهذا لعمري خطأ جسيم، فيه تجن على مكون اجتماعي كريم، ناله من ظلم النظام المقبور ما نال منه سائر فئات المجتمع العراقي.ان من يطلق على يوم 9 نيسان 2003، تسمية يوم سقوط بغداد فهو على خطأ او مغرض يحاول تجميل الوجه القبيح لنظام ارهابي فاشي موغل في الاجرام بحق الشعب العراقي، فلم يعد خافيا على أحد، الطبيعة الاجرامية لذلك النظام، الذي لم يكتف باضطهاد القوى الوطنية العراقية بمختلف تلاوينها بل ذهب الى التآمر على البلدان المجاورة وحاول تصدير الوجه القبيح لنظامه على سائر اجزاء الوطن العربي، ولم يكن هذا خافيا على أحد. يعرف القاصي والداني، وبأعتراف عناصر كانت في فترات زمنية قيادات في النظام، ان الثورات المزعومة في 8 شباط 1963 وانقلاب 17-30 تموز من عام 1968، لم يكن من صنع البعث، انما كان حزب البعث هو اداة تنفيذ لتلك الانقلابات، اما المخطط والممول الحقيقي لتلك الانقلابات كانوا نفس الجهات التي اطاحت به في 9 نيسان عام 2003، بعد ان احترقت اوراقه ولم يعد لديه ما يقدم لسائق القطار الذي جاء به لدست الحكم، بعد ان نفذ كلما طلب منه، وفضل البعث في الاخير تسليم السلطة لمن سلمه له، وكان وفيا لاسياده، حيث انه لم يستجب لكل الدعوات التي وجهت اليه قبل شن الحرب بضرورة تخليه عن السلطة وتسليم الحكم لشخصيات وطنية واكاديمية مستقلة، لاستبعاد شرور ومخاطر الحرب، لكنه ابى ذلك، ولم يكن يستوعب بأن الظروف الدولية تغيرت، وان اوراقه اصبحت بالية، فاسقطوه. اما بغداد التي يتباكون على سقوطه فهي عصية على السقوط رغم عاديات الزمن، ذهب الغزاة المغول ودولتا الخروفين والغزو الفارسي والاحتلالين العثماني والبريطاني واداته النظام الملكي السعيدي، واخيرا نظام البعث الفاشي الى مزبلة التاريخ، بقيت بغداد وستبقى شامخة كنخيل العراق وقصب اهواره وجبال كردستانه، وستبقى شوكة في عيون الغزاة البرابرة الجدد من الدواعش صنائع الفكر التكفيري الظلامي، وسيزول من سمائه غمامة، سلطة الفاسدين والفاشلين والطائفيين والمتواطئين مع الارهابيين، الذين خانوا اهلهم ووطنهم. وستبقى بغداد ابية ما دام ابناؤها الشرفاء الاباة، يحيطون بها بكل حب ووفاء. فبغداد لم تسقط لكن نظام سقط المتاع قد سقط.