23 ديسمبر، 2024 9:34 ص

المتاجرة بالمقاتلين!

المتاجرة بالمقاتلين!

التجارات الرابحة في بلادنا عديدة، وأفضل التجار عندنا ساسة، والسياسي منهم لايتورع في تجارة مربحة يمكنها أن تكسبه ولو صوتاً انتخابياً واحداً، فمشاريعهم لا يمكن ان تتحقق إلا بتجارتهم هذه، وهم يتسابقون فيما بينهم ويتنافسون  ويقدمون كل مايملكون وكل ما يستطيعون تقديمه، حتى يربح أحدهم أكثر من غيره، وبذلك يكون قد أنتصر!
ولا يهتم هؤلاء للمضار التي تنتجها سياساتهم هذه، ولا يهتم أحدهم لما قد يصيب الوطن والمواطن بعد أفعالهم، ولأجل التسيّد يمكنهم فعل أي شئ -مضراً كان ام صالحاً- قد ينفعهم في منافستهم، وهم يستغلون كل وضع لصالحهم، وينتظرون كل حدثٍ ليجعلوا منه مقوياً يقوي حركتهم ويدفعها للفوز!
ولأن الشعب يميل للشعارات العصبية التعصبية، ولأنه يفضل منها الطائفية، خرج بعض الساسة ليستغلوا العواطف المذهبية عند المواطنيين، ويرفعون الخطابات التهجمية المتصنعة، ولأننا نمر في حالة حرب شرسة مع الارهاب، صارت تجارة اليوم، هي المتاجرة بالمقاتلين.
وفي بلد متعدد المذاهب والقوميات، لا بد أن تتواجد الخلافات، وخصوصاً بالاراء في القضايا المهمة، لذلك اختلفت الاراء حول المقاتلين، وبالخصوص مقاتلي الحشد الشعبي، ولأن كل طائفة لها رأي خاص مختلف عن الاخرى بالحشد الشعبي، صار لزاماً على السياسي أن يميل لآراء أبناء طائفته، وخصوصاً المتعصبين منهم، حتى يزيد من شعبيته، حتى لو انه كان يعلم ان الحق ليس معه، وانه على باطل، لا يهمه ذلك، فما يهمه المنافسة.
مما جعل كل سياسي يصرخ برأيٍّ يؤجج الوضع فيه أكثر، ولأننا هنا لسنا بصدد التكلم حول من يهاجم الحشد، سنتحدث عن من يستغل الحشد، فبعد الفتوى والانتفاضة المباركة من قبل ابناء الوطن، صارت فرصة رائعة بالنسبة للمتاجرين ليستغلوا هذه البطولات والتضحيات، فوجدنا الكثير من القوى والحركات تدّعي تمثيلها للحشد، أو فصيل منه على الأقل، وتدّعي بأنها اللسان الناطق باسمه والمدافع عنه!
من الجيد أن يُدافع عن المقاتلين الابطال، لكن من المخزي والمعيب أن يكون هذا الدفاع لأجل مصالحاً شخصية وسياسية، فما أسوء من أن تُستغل الدماء لأجل المصالح الحقيرة، وهذا للأسف ما يحدث عندنا، فخروج شخصيات سياسية تتغلف بغلاف المقاومة، وتكلمهم وكأنهم قادة وزعماء، وتسقيطهم للتيارات السياسية الأخرى، والاعلان عن مشاركتهم في الانتخابات القادمة بقوة، وتباهيهم بجمهورهم الكبير حسب إدعائهم، أدلةٌ واضحة على ذلك الاستغلال.
أستطاعت فعلاً هذه الشخصيات أن تكسب جمهوراً قوياً، بالرغم من عدم علمهم وتجربتهم، وبالرغم من جهلهم الواضح الفاضح، وعدم خبرتهم، وعدم حصولهم على شهادات أكاديمية يمكنهم أن تؤهلهم ولو قليلاً الى القيادة، لكنهم صاروا خطاً أحمراً بالنسبة للعديد من المواطنين، لا يُسمح بنقدهم أو ابداء الرأي المخالف لهم، فيهم، وصاروا يستغلون اسم المقاتلين ليهاجموا بقية الاطراف السياسية، حتى وإن كانت تلك الاطراف توجد تحت إسمها فصائل ذات عدد وقوة أكبر بالحشد مما يملكونه هم، لكنهم لم يتاجروا بهم!
وبعد أن أستطاعت هذه الشخصيات الزائفة الوصول الى ما وصلت إليه، صارت تكثف كل حملاتها وتشن هجماتها، لتعارض مبادرات قد تكشف زيفهم، وتنهي تجارتهم، وتهاجم الشخصيات الوطنية التي تطرح تلك المبادرات، وتعاديها، وتحاول تشويه حقيقة المبادرات وأصحابها، وهذا يثبت دنائتهم وزيفهم الفاجر.