قبل سقوط النظام الديكتاتوري في العراق , اختلفت أوضاع المهاجرين العراقيين الاقتصادية والاجتماعية باختلاف البلدان التي يتواجدون فيها , فالمهاجرون في الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا و بلدان أوربا الغربية ينعمون بوضع اقتصادي وصحي وتعليمي جيد جدا , قياسا بوضع المهاجرين العراقيين في إيران وسوريا وباقي البلاد العربية , وأكبر الجاليات العراقية في المهاجر كانت في إيران وسوريا , حيث كانت تعاني من شظف العيش وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية المقدّمة لهم في هذه البلدان , ومعظم الحركات الإسلامية قد تشّكل في هذه البلدان عدا البعض منها كحزب الدعوة الإسلامية الذي تأسس في العراق سنة 1959 , والذي انتقلت معظم قياداته إلى إيران وسوريا بعد سيطرة الطاغية صدّام على مقاليد الأمور في العراق واعدامه المفكر الإسلامي الشهيد محمد باقر الصدر , وقد تقاسمت قيادات هذه الحركات الإسلامية صعوبة الحياة وشظف العيش مع أبناء هذه الجاليات المتواجدة في هذه البلدان , ولم يكن يجري في خلد أحد من هذه القيادات أنّه سيرث نظام صدّام ويصبح في أعلى هرم للسلطة في البلاد , وتصبح ميزانية البلد تجري بين يديه .
فالعراقيون الذين عانوا من الديكتاتورية والحصار الاقتصادي الظالم , كانوا ينظرون إلى الأحزاب الإسلامية وقياداتها نظرة المخّلص والمنقذ لهم , ولم يكن لأحد من العراقيين أن يتصوّر أنّ هذه القيادات التي عانت من الجوع والفقر لسنوات طويلة في بلدان المهجر , أن تتحوّل في ليلة وضحاها إلى مافيات للفساد والسرقة ونهب المال العام , ولم يكن لأحد أن يتصوّر أن دعاة الإسلام ودعاة العدل والمساواة يسقطون في وحل السلطة ومغرياتها وبريقها , فحياة الترف والنعيم قد أنست هؤلاء الدعاة المتأسلمون المبادئ والقيم التي كانوا ينادون بها ويدعون الناس إليها , وربّما لا أكون مبالغا إذا قلت إنّ فساد الأحزاب المتأسلمة قد فاق كثيرا فساد النظام الديكتاتوري , فبالرغم من كل قذارة النظام الديكتاتوري السابق ووحشيته , إلا أنّه لم يصل لما وصلت إليه هذه الأحزاب من فساد مادي وأخلاقي .
والعراقيون الذين منحوا هذه القيادات الثقة , لم يعرفوا لهم شأنا في حياة الرفاه والبذخ والنعيم , فجّلهم كان لا يملك قوت يومه ويعيش حياة البؤس والشقاء , عدا من عاد منهم من بلاد الغرب الكافر , حيث كانوا يعيشون ببحبوحة من العيش بسبب المساعدات الاجتماعية التي كانوا يتقاضونها من حكومات البلدان التي يعيشون فيها , وكثيرا منهم لا زال حتى هذه اللحظة يتحايل على نظام المساعدات الاجتماعية في تلك البلدان , وتناولت وسائل الإعلام في هذه البلدان تحايل العديد منهم ونشرت صورهم .
وتجربة العشر سنوات الماضية قد تركت عند أبناء الشعب العراقي انطباعات سوداوية وقاتمة عن سلوك هذه القيادات المتأسلمة , والإسلام السياسي أصبح في نظر العراقيين هو الطريق إلى الفساد والسرقة والثراء على حساب الشعب .