روبرت فيسك كاتب بريطاني بنكهة عربية .. تعليقاته ونظرته الى الامور لها ومضة المفاجأة التي تدفعك الى الدهشة .. وقد كان لي شرف العمل معه لفترة وجيزة اثناء سقوط النظام البعثي في العراق .. واستغربت فعلا من طريقة تحليله للامور التي تشبه اليوم تلك الرسائل السريعة التي يتلقاها الشباب على البلاك بري .. رسائل التحشيش كما يسميها الشباب..
في وقتها زرنا احد الناجين او بالاحرى المطلق سراحهم من سجن غوانتانامو .. وخلال الزيارة طلب فيسك من السجين السابق _ وهو استاذ لغة عربية قبض عليه في بيشاور الكائنة في باكستان بالقرب من الحدود مع افغانستان من قبل الامريكان بعد ان باعته المخابرات الباكستانية لهم ب5000 دولار (وكان هذا هو السعر الرسمي لكل راس من البشر يباع للامريكان التي كانت في بداية حربها ضد الارهاب) طلب منه ان يقرا الورقة التي سلمها له الامريكان عندما اطلقوا سراحه من غوانتانامو .. قام فيسك بقراءة الورقةأوشار لي ولسكرتيرته الفرنسية دافني قائلا .. انظروا ماذا كتب الامريكان البلهاء في خانة بلد المطلق سراحه.. نظرنا .. واذا بهم قد كتبوا (الضفة الغربية) .. لم اعلق لاني بصراحة لا امتلك سرعة بديهة فيسك الذي راح يضحك ويقول : ليست هناك دولة باسم الضفة الغربية ولكن لكي لا يكتبوا فلسطين فانهم مستعدين لان يخترعوا على الورق دولة من محض خيالهم .. دولة اسمها الضفة الغربية ..
ومن نفس منطلق التحشيش الالمعي لروبرت فسك .. كتب اليوم متسائلا:
ترى هل يعرف الرئيس الامريكي اوباما انه يقاتل مع والى جانب تنظيم القاعدة في سوريا؟؟؟
فيا له من حلف غريب .. اضربوا بشار لكي تنتعش القاعدة التي قامت بضرب البرجين في 11/9 والتي قامت الدنيا ولم تقعد بسببها والتي اشتعلت حرب افغانستان من جرائها .. والتي انتهى العراق كدولة وبات دولة ساقطة من ورائها ومن وراء فساد سياسييها طبعا .. والتي الى حد قبل يومين استشهد العشرات في كل انحاء بغداد من اجرام عملياتها ..
**
هل قلت حلف غريب ؟؟؟ لا لا لا فلا غرابة على الاطلاق.. فالقاعدة لم تنشأ الا على يد الامريكان في افغانستان اثناء الغزو السوفييتي لها.. وكما هو متوقع من الامريكان .. يدعمون ويساندون ومن ثم يسحبون البساط من تحت اقدام الحليف ..
صدام حسين كان مثال على ذلك .. فقد دعموا حزبه عام1963 للوصول الى السلطة ولعل الارشيف الامريكي الذي كشف مؤخرا يبين لنا كيف ان وليام ليكلاند ، من المخابرات المركزية الامريكية و السكرتير الاول في السفارة الامريكية في بغداد انذاك اعان البعثيين في الوصول الى السلطة عام 1963 ولولا الامريكان لما وصل صدام ولا اي من جماعته الى سدة الحكم في العراق ..
http://www.independent.co.uk/news/world/revealed-how-the-west-set-saddam-on-the-bloody-road-to-power-1258618.html
واعانوا البعثيين في عام 1968 على العودة الى مسك زمام الامور في العراق فكانت ثورة تموز 1968 ..
وساندوا صدام في حربه ضد ايران وامدوه باللوجستيات والسلاح وكانوا يعلمون بضرباته المميتة للاكراد واستخدامه لغاز الخردل والكيمياوي .. وسكتوا من عام 1988 عند ضربه لحلبجة الى عام 1990 عندما دخل صدام الى الكويت وانتهى شهر العسل الامريكي البعثي .. ففضحوه ونشروه على حبال غسيلهم وهم من دعمه في كل شيء حتى سكوتهم عن دخوله للكويت..
ثم سحبوا البساط من تحت قدميه بعد ان خدمهم من عام1963 الى عام 1990 .. السنة التي قرروا فيها الاستغناء عن خدماته ..
http://nymag.com/daily/intelligencer/2013/08/cia-files-us-aided-iraq-with-iran-gas-attacks.html
وكذلك الحال بالنسبة لشاه ايران وغيره من الحكام اللذين يغترون بمواقعهم ويصدقون انفسهم بان الولايات المتحدة حليف دائم وهم لا يعرفون ان لا شيء دائم في هذه الولايات المتحدة على الاطلاق غير مصلحة الادارة الامريكية في تلك اللحظة والتو ولا ضامن لما سيحدث في المستقبل او كيف ستنقلب الامور او تتدهور ..
**
اما روبرت فيسك فيستهزيء من اوباما في مقالته ويشير عليه بالاستفادة من القاعدة باخذ معلومات استخبارية عن بشار وقواته منها .. اي من القاعدة في سوريا .. فهي كما يقول المجموعة التي تمتلك بساطيل على الارض – اي ان قوات القاعدة هي الموجودة على الارض (وهذا المسمى هو ما يستخدمه الامريكان عند الحديث عن الحلف الموجود على الارض) وهي التي لها حرية الحركة ورفع رايات الامارة الاسلامية في الشام وقريبا على الشاشة في العراق ايضا .. ولم لا طالما انها باتت (شوربة) كما يقال ؟؟؟
ويشير ايضا الى انه في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات الامريكية المسيرة بدون طيار بضرب القاعدة في افغانستان ووزيرستان وتستهدف معهم المدنيين العزل والاطفال في المدارس .. ستقوم الصواريخ الامريكية (نفس الولايات ونفس المتحدة ونفس الامريكية!!) بضرب اعداء القاعدة .. اما الاماكن التي لن تستهدف من قبل الصواريخ الامريكية فهي تلك التي يتواجد فيها مقاتلي القاعدة وجبهة النصرة .. لان عدو عدوي صديقي ..
**
ولان العالم الغربي كله مع ما يقوم به اوباما .. سيكون العالم الغربي كله مع القاعدة ومع اهدافها في سوريا ..
**
اما مسك الختام الذي ينهي فيه فسك مقالته فتتعلق بمقارنة ولو ضمنية بين من يدعم سوريا وانعدام الدعم لصدام .. فهنا حزب الله الذي ينبض جيشه على قلب رجل واحد .. وها هي ايران النووية .. وهنا ايضا جيش سوريا الذي لن ينهزم بملابسه الداخلية كما فعل حرس صدام في 9/4/2003 ورأيناهم من على الكاميرات في كل الفضائيات يهربون من على الضفة الاخرى مقابل ابي نؤاس ..
فهل ستكون حرب صفعات صاروخية سريعة .. او ولية مخانيث كما يصطلح عليها عسكريا في بلادنا .. ام انها ستتحول الى حرب اكبر بكثير؟
**
“المبلل ما يخاف من المطر” .. مثل عراقي اثير على قلوبنا جميعا .. ونحن في العراق سواء تحولت الضربة الامريكية الى حرب عالمية ثالثة ام بقيت محصورة كمثل ما كان يحدث في العراق ايام مونيكا لوينسكي من ضرب محدود بايام واهداف معينة .. لن يفرق الامر في حياتنا .. فالكهرباء ليست موجودة اصلا لكي تقطع والماء ملوث بكل شيء من الفضلات الانسانية الى الكيميائية الى البقايا البشرية لمن يقتل ويرمى في النهر .. ولا صناعة ولا زراعة ولا عجلة اقتصادية ستتوقف لان كل شيء متوقف اصلا وشكرا للحكومة العراقية العظيمة على خدمتها لنا من هذا الجانب .. شكرا لمن انتخبناهم .. شكرا بابا فلان وماما فلانة .. مع السلامة