صحفٌ وفضائيات ومواقع إنترنيت معينة، حكومية عربية في أغلبها، تخوض في الشأن العراقي، بحسن نية أو بدونه، وتبشر بولادة عراق جديد في أعقاب الانتخابات التي ستجرى بعد شهر من الآن.
ولأن أصحابها وكتابها ومحلليها ليسوا من سكان مكة الأدرى بشعابها فهم متفائلون، ويطالبون العراقيين بأن يتفاءلوا، مثلهم، بالخير لكي يجدوه، منطلقين من إيمانهم بأن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، معارض حقيقي للفصائل المسلحة التابعة لإيران، وبأنه، بجدية وإصرار وشجاعة، (يتكتك) من أجل إخراج العراق من الأسر الإيراني، وإعادته إلى سابق عهده السعيد.
وهنا ينبغي لنا أن نُذكر هؤلاء المتفائلين بحقيقة أن الشعب العراقي أكثر شعوب الدنيا تفاؤلا وتعلقاً بغدٍ أفضل يحقق له الحرية والكرامة والرخاء.
ولكنْ للتفاؤل مكونات وأدوات وعوامل. ونسألهم، هل إنهم رأوا الحالة العراقية الراهنة من داخلها، وتتبعوا أسرارها، مثلما يفعل العراقيون؟،
وإذا ما فعلوا ذلك هل سيظلون مقتنعين، حقا وبذمةٍ وضمير، بوجود أيٍّ من المكونات والأدوات والعوامل التي تدعو إلى التفاؤل، في عراق محتل من شعر رأسه إلى أخمص قدميه، وتُسيره العصا الأجنبية، وتقرر لأهله كيف يتكلمون، وماذا يلبسون، وماذا يأكلون، وماذا يعبدون؟.
تكفي زيارة رئيس الوزراء الأخيرة لطهران التي تخطّى فيها صلاحيات رئيس حكومة مؤقتة لا يحق له أن يوقّع، باسم الشعب العراقي، على صك من صكوك الاستسلام.
ومنذ آب/أيار من العام الماضي وهو لا يكل ولا يمل من التفريط بهيبة الدولة وسيادتها وجيوشها وما تبقى من ثرواتها من أجل أن يحضى برضا وليّه الفقيه، طمعا في أن يُعينَه على الفصائل المتغطرسة، ثم يوافق، بالتفاهم مع أمريكا، على بقائه في الرئاسة.
وزيارتُه لطهران، هذه المرة، كانت الحلقة الأسوأ بين حلقات هذا المسلسل المهين. فقد ألغى فيها تأشيرات الدخول، وفتح أبواب العراق على مصاريعها للمشبوهين وتجار السلاح والمخدرات والمهربين والقتلة والجواسيس، رغم أن العراقيين الذين يحتاجون لهذا الإلغاء، ممن يترددون على إيران، أقل من القليل.
ثم، في زيارة اليوم الواحد هذه، قد اغتنم الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الفرصة لينتزع من ضيفه المستكين المستسلم الضعيف أقصى ما يريده من الدولة العراقية لإيران.
فقد نقلت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية عنه أنه “طالب حكومة المنطقة الخضراء بأن “تلتزم بديونها المستحقة لإيران”.
كما طالبها بـ “ضرورة تنفيذ الاتفاق الثنائي فيما يخص مشروع الربط السككي بين الشلامجة والبصرة”، “ودون أي تدخل من جانب القوات الأجنبية”.
وأفاد رئيس غرفة التجارة الإيرانية-العراقية المشتركة، يحيى آل إسحاق، نقلا عن موقع (خبر آون لاين)، بأن “حجم التبادل التجاري بين البلدين، في الماضي، كان يتراوح بين 3 و7 مليار دولار، فيما يمكن أن يصل في المستقبل إلى 20 و 30 مليار دولار”.
ثم أعلن المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية عن “ارتفاع حجم صادرات السلع الإيرانية إلى العراق في غضون الأشهر الخمسة الماضية بنسبة 31% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.“
أما الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني فقط طلب من الكاظمي “تجريد (التنظيمات الإرهابية) من السلاح، ودحرها من إقليم شمالي العراق”. وبحسب وكالة إرنا الإيرانية الرسمية فقد أبلغ شمخاني ضيفه بأن “التحركات المتزايدة من جانب التنظيمات الكردية المعارضة في إقليم كردستان العراق مثار قلق للأمن في الحدود المشتركة”. ثم طمأنه الكاظمي وأكد له أن ” حكومة العراق على استعداد لبذل إمكاناتها السياسية والأمنية لتوثيق التعاون مع دول المنطقة والقضاء على سوء التفاهم الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار”.
ولكن لم يتطرق أي مسؤول إيراني أو عراقي، ولو بالإشارة، إلى النيران اليومية التي يصبها الحرس الثوري على منازل العراقيين في كردستان العراق.
والآن نسأل المتفائلين العرب هذا السؤال،
فكيف يمكن أن تنجح الانتخابات القادمة في توليد العراق الجديد تحت حكم القبضة الإيرانية الخانقة الانتهازية الاستغلالية الابتزازية، وأعوانها العراقيين المالكين الوحيدين للسلطة والمال والسلاح، والمجاهرين بولائهم لإيران؟.
فاحزاب السلطة هي وحدها القادرة على شراء أصوات الناخبين وشراء ضمائر المراقبين الدوليين. وهي المتصرفة القادرة بمفوضية الانتخابات، بالإضافة إلى أن حكومة الكاظمي هي الأعجز عن ضبط الأمن وحماية المرشحين والناخبين ومنع الفصائل المسلحة من التلاعب بصناديق الاقتراع.
فهل يلام العراقيون، والحالة هذه، إذا ما تخلوا عن تفاؤلهم ورموا أحلامهم الوردية في الحرية والكرامة والعدالة في أقرب سلة مهملات؟
فعلى امتداد عشر سنوات ظلوا يتوقعون أن تفقد أمريكا صبرها على تعديات النظام الإيراني وإهاناته لهيبتها وقواعدها وجنودها وضباطها وحلفائها في المنطقة، فتضطر لخلع هذا الضرس الخايس لترتاح وتريح، فتُكفر عن ذنوبها العراقية وتُخرج العراق الحي من العراق الميت. لكنهم، أخيرا، فقدوا هذا الأمل الجميل.
فقد قرر رئيس أمريكا التي ابتلتهم بهذا الكابوس البغيض أن يحمل جنوده وضباطه ويرحل، ويترك نار العراقيين تأكل أحطابهم، ويتسلى بدغدغة الفصائل الولائية، من بعيد، بصواريخ ومُسيّرات تجرح ولا تذبح، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
فهل، بعد كل هذا الهم والغم والليل الفاحم الطويل الثقيل، يحق لأحدٍ عاقل أن يتفاءل؟، أشك في ذلك.