23 ديسمبر، 2024 1:32 م

المباهلة يوم اشرق فيه الحق

المباهلة يوم اشرق فيه الحق

(فَمَنْ حاجَكَ فيه مِن بَعدِ ما جآءَكَ مِنَ العِلمِ فقُلْ تَعالَوا نَدعُ أَبْنآءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا ونسآءَكم وأَنفُسَنا وانفسَكم ثمَ نَبتَهلْ فنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبين) { ال عمران 61}. والمباهلة الملاعنة والابتهال التضرع ، في الرابع والعشرين من شعر ذي الحجة من كل عام تطل علينا ذكرى يوم المباهلة اليوم باهل فيه الرسول الاكرم نصارى نجران وقد اخرج معه اهل بيته الطاهرين ، فلم يترك البارئ تعالى مناسبة الا وابرز فيها احقية اهل هذا البيت الكريم لتجلية دورهم في بناء الاسلام وشانهم عند الله تعالى وشد الامة نحوهم . المباهلة وغيرها من الكرامات بحقهم كثيرة . اهل البيت هم المركب الامين والحصن الحصين فاراد الله ان يوجه الامة الى هؤلاء الاطهار والمشي خلفهم فلو اجتمعت الامة عليهم لما وصلت الى ما وصلت اليه من ضعف وتدهور في شتى المجالات ولكنها على العكس من ذلك اجتمعت على قتلهم بل وتعدى القتل الى شيعتهم . اكدت السماء على اتباع هؤلاء الاطهار لانهم يحملون سر وحقيقة الاسلام فالمشيئة الالهية امرت في السير خلفهم والاخذ منهم لانهم القادة الامناء للامة . انهم لا ينطقون الا عن الدين الصحيح النقي ولا يحكمون الا بالفهم الصحيح للقران والسنة المطهرة للنبي صلى الله عليه واله وسلم ، فهم الجاذبية التي نسير في مسارها والنظام الذي نسلك فيه والذي يمنعنا من التيه والضلال وفقدان الوجود هم هويتنا وبناءنا وتكويننا .

المباهلة درس عملي تطبيقي شهدته الامة بصورة حية ومباشرة للدلالة على عظمة هؤلاء الخمسة وشهادة السماء بذلك . ذلك يوم لا يقل عظمة عن يوم الغدير الاعظم الذي بصّر فيه النبي احقية امير المؤمنين للامة بامر من السماء فهؤلاء الكرام هم قلب الاسلام وعقله ويده . لم يكن مشهد المباهلة بين وفد الرسول ووفد النصارى مشهدا خيالا مرتجلاً يمثله ممثلون محترفون لكي يجلبوا انتباه الناس بل كان مشهدا حقيقيا ابطاله هم انفسهم الذين نزل بهم قرآنا ودارت حولهم قضية فكان مشهدا عمليا تطبيقيا بامتياز لينطبع في ذاكرة المسلمين والتاريخ . وانهزم النصارى امام روحانية اهل البيت وجلالتهم وهو دليل ارضي على احقيتهم بالاضافة الى الدليل السماوي البيّن . ولعمري ان المنقبة العظمى والكبرى في هذه المناسبة كانت لامير المؤمنين عليه السلام عندما لقبته السماء بنفس رسول الله فهو الرسول في قيامه وقعوده وحربه وسلمه وهو الرسول عندما يحارب ويسالم وهو الرسول عندما يحكم ويسكت ويتكلم وهو الرسول عندما ضربوه على راسه بالسيف في مسجد الكوفة . الوصف واضح وبين في الاية الكريمة فالابناء هم الحسن والحسين والنساء هي الزهراء والانفس هو علي بن ابي طالب عليهم السلام اجمعين . لقد ارادت السماء ان توضح للامة حقيقة اصحاب المباهلة الاطهار باجلى واوضح الصور لانه تعالى يعلم ان الامة ستنكص وتتراجع وتمر بادوار خطيرة تحرفها عن اهل البيت القادة الحقيقيين للامة وان الامر سيلتبس عليهم فخرج الرسول وصحب معه علياً وفاطمة والحسن والحسين بهذه العظمة والجلالة خرجوا بهذه الصورة المزلزلة للجبال وان رئيس وفد النصارى طلب من اصحابه عدم مباهلة هؤلاء قائلا اني ارى وجوها لو اقسمت على الله ان ينقلع هذا الجبل لانقلع . لقد اراد القرآن ان يجعل من الائمة حضورا دائما في ذهن

الامة لتتذكرهم في مسيرتها وحركتها ، اراد ان يقول لها ان هؤلاء هم خاصة الرسول وحامته من الخلق اجمعين وحفظة الدين وامناء الشريعة وهم احق بالاتباع من غيرهم وهناك من الادلة الكثير على صدقهم واحقيتهم فدليل اوضح من دليل وبرهان اجلى من برهان . المباهلة تجسيد حي وابراز جلي لأحقية علي وفاطمة والحسن والحسين بما لا يقبل الشك ولا الريب وقد صور القرآن هذه الحادثة العظيمة ليعرضها على الاجيال اللاحقة للامة ليطلعوا على الحقيقة الثابتة التي لا تقبل التغيير والتزوير مهما نعق الناعقون وهرج المهرجون وحاولوا ابعادها عن اهل البيت فانها مؤرخة وحاضرة وظاهرة ابدا ظهور الشمس وباقية بقاء القرآن لم تستطع الاقلام المنحرفة الماجوة ولا الافكار الضالة المضلة من حجبها عن الامة لقد ذكرها وصورها وارخها كتاب الله الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . المباهلة مناسبة عظيمة غائبة حتى على محبي اهل البيت عليهم السلام فعليهم معرفتها وتفعيلها واحيائها ليعرفوا من خلالها دورهم وعظمتهم في بناء الدين ولنفهمه كما هو من دون لف ولا تعديل والويل كل الويل لامة تخلت عن اهل بيت نبيها الادلاء على الله والدين . ان هذه المناسبات الكريمة هي احياء للقلوب كي تتوهج بنور ولايتهم ومحبتهم عليهم السلام وليقوى ويستحكم بناء الولاية في قلوب المحبين لاصحاب المباهلة ان الامة الاسلامية ومذهب اهل البيت خصوصا يتعرض لتحديات صعبة ومريرة للغاية فبقدر تمسكنا ومحبتنا بهم عليهم السلام نستطيع ان نتجاوز المحنة والتحدي وننتصر على اعداء الاسلام واهل البيت ويتجلى حقهم اكثر على مر الزمان .