المبالغة صفة تؤطر حياة العربي فيما مضى في جميع النواحي. هناك مبالغة تصل الى درجة التطرف في الكرم عندما يذبح احدهم قطيعا من الاغنام لضيف واحد ! وايضا هناك تطرف في الحب . تلك الحالة الانسانية السامية ؛ قد يصل الى الجنون والهلاك . وكذلك توجد مبالغة في وصف الاشياء وتصويرها على غير حقيقتها بحيث تخرج عن باب المخيلة الواسعة . ولعل الشعراء والخطباء هم اكثر من غيرهم معني بهذا الموضوع .
جاء الاسلام ليلغي الكثير من العادات والتقاليد التي لا تنجسم مع مبادئه . واخذ النهج الوسطي حتى في اقدس اركانه واهمها والا وهي الصلاة والعبادة ، بل انه جعل السعي والعمل وطلب العلم من العوامل المهمة التي تقرب العبد من خالقه .اذا الاسلام يمكن وصفه بانه دين حياة وآخرة ، ولايجعل احد اطراف هذه المعادلة ان تطغى على الآخر . ورغم هذه الوسطية المعتدلة فان العربي سرت في جذوره بذور المبالغة في شكل جديد كالتصوف وترك الحياة التي يسعى الاسلام لأجل اعمارها . هذه المواقف الاولية ولدت حالات من التطرف بحيث وصل الامر بها ان تكون من المسلمات التي الانسان يعرض نفسه في حال المساس بها . ولعل اول شيء تم مصادرته تحت بعض التسميات الفكرية والمذهبية هي الحرية والبحث عن الحقيقة حيثما وجدت . فلا مجال للاجتهاد في الكثير من محدثات العصر بحجة اتباع الاجداد ومحاكاة حياتهم غير مكترثين
بالمعاصرة التي يجب ان تجد طريقها الى الانسان العربي . بعض المبالغين شكلوا نهجا خاصا بهم وعدوا مخالفتهم نوعا من المساس بالثوابت الدينية والتاريخية . فاصبح الرأي الآخر نوعا من البدع الذي يجب ان يقابل بشتى انواع التنكيل والقتل . وهنا نما التطرف سواء كان الفكري او المذهب او الديني .
بمرور الزمن اصبحت الافكار الوسطية التي نادى بها الرسول ( ص) واهل بيته عليهم السلام والصحابة الابرار تصطدم بنوع من الافكار الغريبة خصوصا ان العربي اكثر ما يشده الماضي ويحاول دائما محاكاته . لعل البعض وجد في الضعف والقصور الفكري ضالته في تصوير الاشياء على ما يشتهي نفسه متسلحا بمقايس يقال انها التي سار على الاجداد ( السلف ) وهي صالحة لكل عصر ومصر . لا احد ينكر عظمة الاسلام من حيث انه دين صالح لكل الاجيال ولكن لابد من تنقيته من الرواسب التي علقت به بعيدا عن التطرف الذي يلغي الآخر وينصب له العداء ، ويجد ان القضاء عليه واجب شرعي يجب الامتثال له .