نعيشُ اليومُ في عالمٍ غريب، طغتْ عليهِ المصالحُ على المبادئِ ، التي درسناها وتعلمناها في مدارسنا وكتبَ فلاسفتنا، أوْ تربينا عليها في بيوتِ أهالينا . أنَ المبادئَ منْ وجهةِ البعضِ،قدْ عفا عليها الزمن، وأصبحتْ أوراقا منْ الماضي، عندما تتقارنَ معَ المصالح، لأنها لا تطعمُ أوْ تشبعُ جوعانا، أوْ تكسفقيرا ملبسا يغطي فيهِ عورته، ويقيهُ منْ بردِ الشتاء، أوْ منْ حرارةِ الشمسِ ولهيبها الحارق.
أظهرتْ التجارب؛ أنَ المصالح- غالباً– لها الأولويةُ في تحديدِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ وحتى الدولية، لقدْ تحولتْ طبيعةَ الإنسانِ إلى السعيِ خلفَ الجانبِ المادي، وتحقيقَ مصالحهِ الشخصية، وهذا ما نلاحظهُ في العديدِ منْ التجاربِ اليومية، في المجالاتِ المختلفة، السياسيةِ ، التجارية، وغيرها، وصولاًإلى تصرفات المواطنِ العادي.
هنالكَ ترابطٌ قويٌ بينَ المصالحِ والمبادئِ في علمِ السياسةِ الدولية، ولكنْ بمتغيراتٍ زمانيةٍ ومكانيةٍ ليسَ لها الثبات، وتوقيتها في استخدامِ المصالحِ أمِ المبادئ. فمثلاً، السياسيَ المسؤولِ في موقعٍ حكوميٍ ما؛ إذا استطاعَ أنْ يحققَ مصالحَ بلدهِ ، ويجلبُ إلى شعبهِ الرفعةَ والرقيَ مقابلِ الاستغناءِ عنْ بعضِ مبادئَ وأهدافِ الخطابِ الربانيِ الذي حددهُ رئيسُ حكومتهِ أمامَ البرلمانِ في التصويتِ على كابينتهِ الوزارية، فهوَ الأفضلُ لهمْ منْ المتمسكِ بمبادئهِ الورقية الزائفة.
أنَ الجملَ والكلماتِ والأشعارَ والاستشهاداتِ بالتاريخِ والجغرافيةِ والفلسفةِ والكلماتِ التي يترنحُ ويصدعُ بها بعض الخطباء، ويقفَ بعضُ الحضور لدقائقَ ليصفق لها، وباللهجةِ المصريةِ الجميلةِ (أعد- أعدَ ) ، كما في جمهورِ العندليبِ الأسمر- رحمهُ الله- فوقَ مسرحِ أوبرا القاهرة، قدْ ولتْ إلى غيرِ رجعة، وأصبحتْ منْ ذكرياتِ الماضي.
إنَ القلةَ منْ سياسيٍ العالم، ممنْ لا زالوا متمسكينَ ببعضِ المبادئِ في علمِ السياسة، والغالبيةُ غادرها إلى مقاهي المتقاعدين، لينضموا إلى محللي القنواتِ الفضائية، وكتابَ أعمدةِ الصحفِ اليومية، بعدُ أنْ عجزوا عنْ حلِ مشكلةٍ داخليةٍ أوْ خارجيةٍ لبلدهمْ بمبادئهمْ المتمسكينَ فيهِ عندَ وجودهمْ في السلطةِ التنفيذية، فأخذوا بالتنظيرالفكري والسياسي، أما المتلاعبونَ بفنونٍ السياسة وألفاظها، وممنْ يعرفونَ منْ أينَ تأكلُ السمكة، فهمَ الصامدونَ في الصفِ الأول، في حين؛ بقيَ المتقلبونَ والمتأرجونْ بينَ الموقفينِ منْ متغيري المواقفَ والمبادئَ بين ليلةِ وضحاها، فقدٌ ابتعدتْ عنهمْ نخبهم، وأفقدتْ بهمْ ثقتها، وبقوا متسلطينَ بأفكارهمْ وخطبهمْ الرنانةَ على بعضِ الفقراءِ والمتلوينينْ في هذهِ الحياةِ المتقلبة.