23 ديسمبر، 2024 2:44 ص

الما يلوح العنب.. يكول حصرم

الما يلوح العنب.. يكول حصرم

في عراق ما بعد عام 2003، وجد العراقيون وعلى حين غرة، انفسهم جزء من عالم التكنولوجيا الحديثة، وفي مقدمتها وسائل الانترنيت، والموبايل، والستلايت ووو الخ، وبهذا اصبحوا على تواصل مستمر لمجمل احداث بلدهم، على مختلف الصعد، وحتى البلدان الاخرى، والفضاء كذلك، والامر في ظاهره شيءٌ حسن، اما باطنه، وما ادراك ما باطنه، فان هذا التكنولوجيا باتت بالامكان تسخيرها وتجنيدها للمصالح الخاصة، او حتى ضرب الخصوم، وكذلك توظيفها لتحقيق غايات، سواء أكانت حسنة أم سيئة.غير اننا، وكشعب ليس بساذج البتة، سرعان ما ادركنا ان هذه التكنولوجيا تم توظيفها، على الملاك الدائم، لبعض الشخصيات في العراق، البازرة منها والمخفية، الغرض منها الاطاحة بمنافسيها، او كما تسميهم هي انهم “خصوم”، ولا اعرف لماذا هذه الخصومة اذا ما كانت كل الغايات والاهداف تصب في بوتقة واحدة، وهي خدمة العراق والعراقيين.هناك ظاهرة “انترنيتية”، واعلامية، منتشرة مؤخراً في العراق، اسمها التسقيط المتعمد، وقذف الاخرين، وكيل التهم جزافاً، وتلفيق الافتراءات، وكأنهم في حلبة سباق، الفائز فيها من يبقي صورته تتصدر الواجهات الاعلامية، وهو يرتدي ارقى الملابس، متفاخرا بوضع علم العراق خلفه، ويجلس على مقاعد باهظة الثمن، ويبدأ بالتمنطق والتفلسف، واللعب بقواعد اللغة العربية “شاطي باطي”، وهو متوهم انه بذلك سيعلو من شأنه، ولا يعلم انه يحط به، اضف اليه، المعلقين على صفحات وبيجات الفيسبوك، الحقيقية والوهمية، وكانهم في حرب الكترونية، كل منهم يعلو ويحط بمن هو من مذهبه او طائفته او قوميته، او خالفه بذلك.
مضت 13 عاما على احتلال العراق، ولم نزل نرى وجوهاً تستطيع تغيير لونها كما الحرباء، حسب مقتضيات المصلحة الشخصية، ترفع السبابة ذاتها وتصرخ وتجعجع “عالفاضي”، في وسائل الاعلام، 
في حين نستذكر وجوهاً قد غيبها الموت، والقتل، والتهميش، والاقصاء، لانهم آثروا خدمة العراق على خدمة جيوبهم.توجد حكمة تقول :”بدلا من ان تلعن الظلام، أوقد شمعة”، غير ان الواقع امامنا يطالعنا بعشرات من لاعني الظلام، دون ان يتحركوا لايقاد شمعة، مهمتهم تتلخص في التصيد بالماء العكر، يتحينون الفرص لاطلاق وصف “الحصرم” على العنب الذي لم تصله ايديهم، احدهم يقلل من شجاعة الجيش العراقي البطل في معكرته ضد الارهاب، وهو لا يقدر ان يحل “رجل دجاجة”، وآخر ينتقص ويهمش من تنقلات غيره في مخيمات النازحين وتفقدهم وايصال المساعدات الاغاثية لهم، وهو لا يتصدق على متسول يطرق زجاج سيارته لاستجداء عطفه ومساعدته، وآخر يتعمد تسقيط كل من يحاول ان يقدم شيئا او خدمة للعراق والعراقيين، وهو مستعد لتدمير البلد على حساب منافعه الشخصية، وووو الخ، ولكن المصيبة الكبرى ان هذه النماذج، من “دعاة الخير” اغلبها، ان لم نقل كلها، تتخذ من خارج العراق منابر لاصواتها، ومقرات ومساكن لها، وان الطامة الاكبر انهم يلاقون اذاناً صاغية لكل تخرصاتهم وارهاصاتهم، وما تصريحاتهم الا جزء من منظومة الكذب والتلاعب والتدليس التي يستخدمونها كمهنة في عراق اليوم، فهم لصوص، قد لا نجدهم عند سور المنزل بعد نصف الليل، ولكن بالتأكيد نجدهم في وضح النهار، كالذباب المنتشر.
كفاناً تشكيكاً، ورجماً بالغيب كلما بزرت اصوات تصدح بالحق، وضمائر تعمل بتفانٍ، ولا نكن كاولئك اللاعنين للظلام، فان لم نقدر على ايقاد الشمعة، فلا ضير ان نعين من يحاول ذلك.
لا تدعوا فناني اللغة والاساليب الترويجية وممثلي الانسانية ان يلعبوا بمشاعركم، او يستدرجونكم لمستقبل يرسمونه لكم، وفق رغباتهم وغاياتهم، 
لا تسمحوا لكل من هب ودب، ان يكون فرعون زمانه، وحامي حمى الوطن، والراعي “الوهمي” لكل خير يقبل على العراق، ولا تكونوا “يتامى” حتى لا يتعلموا برؤسكم الحجامة، فمنهج هؤلاء واسلوبهم مضر، ولا يمكن ان يستمر طويلا، خاصة انهم لم يتمكنوا من تقديم شيء او يوفون بوعودهم لنا، لا تدعوهم يضحكون على ذقوننا، ويحتقرون عقولنا، فنحن اليوم امام مفترق طرق، اما النجاة واما الهلاك، لنمدّ يد العون لكل من ثبتت حسن نواياه، وسريرته كعلنيته في هذا البلد، لنعينهم على خدمتنا، لعل الله يجعل على ايدهم وفي سعيهم مخرجاً لضيقنا وزوالاً لهمنا، فان كانوا، كما يتهمهم البعض، بانهم لا يختلفون شيئا عمن سواهم، فاقل ما في الامر انهم يعملون بجد امام اعيننا، وليسوا كمن يتنقلون بين الدول، يرتدون ثياب الشرف والحرص على البلد وهم عراة، لا يكسو جلدهم الا اساليبهم الرخيصة المستخدمة في تضليل الجماهير والرأي العام، وبالتالي فان عليهم ان يعلموا ان حبل الكذب قصير، وان طال، وأن من ظنّ بنفسه مقدرة على خديعتنا وعمي عيوننا، فسيكون مصيره في مزابل التأريخ، ان لم يكن قد دخلها فعلاً.