18 ديسمبر، 2024 10:18 م

المال هو الدافع الوحيد للعمل لدي

المال هو الدافع الوحيد للعمل لدي

قلت ذلك لصديقي مهندس وسام بينما كنا نجلس في مقرأدارة مشروع جسر كوت – العزة في يوم شتوي من نهاية شهر ديسمبر من عام 2009˛ وفيما كنت أنظر من نافذة الكرفان وأراقب تراقص أطراف وأنامل بعض عمالنا الصغار تحت وطئة البرد˛ كنت وصديق نحتسي الشاي وهو في هذه الأثناء يحاول بترك العمل في هذا المشروع والذهاب إلى مشروع أخر يمكن أتقاضى فيه أجر أعلى.
قال وسام: صدام 750 الف راتب قليل لمهندس مساحة هذا أستغلال˛ أترك العمل قلت له: أسامة ليس المال هو الدافع الوحيد للعمل فهذا المشروع يوفر لي خبرة جيدة كما أن ترك المقاول وهو في أمس الحاجة لي تصرف مشين العمل ألتزام أخلاقي أضافة إلى ذلك فأن هذا عملي في هذا المشروع يمثل بصمة لي في محافظة واسط˛ أريد أن يفتخروا بي أهلي وأبنائي أمام أصدقائهم عندما يعبروا الجسر.
– صدام أنت تفكر بطريقة الروايات القديمة والترجيديا العالمية أن المال هو جوهر الحياة حتى بات ثمن للتضحية.
– لا أتفق معك ياوسام ولن أحدثك عن قدوتنا رسول الله (ص) والأمام علي (ع) والأئمة الأطهار والصحابة (رض) فأني أعرف ردك سيكون هولاء أناس ذهب زمانهم ولا يمكن تطبيق سننهم أو طرق معيشتهم في الحياة˛ أنظر إلى أيقونة الصراع ضد الأستبداد والعنصرية نيلسون مانديلا الذي قضى 27 عاماً في سجون نظام الأبارتيد وترك عائلته تقاسي الحرمان الأب كل هذه السنون لقد أصبح مناضل كوني لجميع شعوب العالم التي تتطلع لنيل الحرية وليس لجنوب أفريقيا أو لأفريقيا.
لقد كانت تلك أجابتي لصديقي في تلك الأونة ولكن بعد أن رأيت عبر وسائل التواصل الأجتماعي من تجمهر مجموعة من مايسمى ضحايا رفحاء ومطالبتهم بزيادة رواتبهم من وأدعائهم أنهم السبب في سقوط نظام صدام وأن الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت على تحرير العراق أستجابتاً لندائهم « هيهات منا الذلة ولا ولي الإ علي وهم يطوفون حول البيت الآبيض»! شعرت بالمرارة على تشويه الحقائق ونهب البلد وكأن الموضوع حدث في حقب غابرة من التاريخ والكل يعرف مقدار زيف أدعاتهم فالولايات المتحدة هي التي أزاحت نظام صدام الذي يمثل تهديد للمنطقة من خلال أمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته مع شبكة القاعدة الأرهابية
تذكرت بطولة ذلك الزعيم الأفريقي حيث صفه أحد الكتاب وهو إياد أبو شقرا بأنه: «دخل كرجل وكتجربة التاريخ من أوسع أبوابه على حد تعبير » وهنا يدور بخلدي سؤال كم يستحق راتب كسجين سياسي وفق معاير السجناء لدينا أو وفق قانون رفحاء سيء الصيت؟ أن مانديلا لم يفكر بتلك المتع الدنيوية الزائلة كما أنه لم يحاول أستثمار أيقونته في التمسك بالسلطة مدى الحياة كما أنه عرف بإعلانه الشهير بأن «مكافحة الفقر هي مكافحة أمراض العالم جميعاً».
لا مناص بل من الواجب أن يأخذ ضحايا النظام السابق حقوقهم على أختلاف أنتماتهم لكن ليس وصولا إلى الثراء والنظر إليهم على أنهم ضحايا الهولوكوست وأن الشعب العراقي الذي كان يقاسي الأمرين من الحصار وظلم النظام السابق كان شريك في تلك الجرائم إليس هو أيضاً ضحية؟ أن تلك الأموال التي يأخذها سجناء رفحاء هي من أموال العراق وليس من أموال الرئيس المقبور الذي ظلمهم فما ذنب شخص ولد في عام 2003 مثلآ أن تؤخذ من حصته كمواطن يحتاج للخدمات الصحية والتعليمية والبلدية عن مظلمة ليس له يد بها فهو لم يعاصر الجلاد ولم يقف إلى جانبه بل أنه نشأ في ظل بلد متفكك.
لقد وصف السيد (د.دنيس هاليداي) ممثل الأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية السابق في العراق والسكرتير العام المساعد للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر مدريد الدولي الذي عقد في عام 1999 قائلآ: «….سأتحدث عن العقوبات الإقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على شعب العراق بإعتبارها حالة من حالات الأبادة الجماعية وجريمة ضد الأنسانية وسألمس مدى تناقض هذه العقوبات مع ميثاق الأمم المتحدة …»˛ وطبقاً لتقرير وكالة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) كان يموت في العراق كل يوم (250) طفل بسبب نقص حليب الأطفال وغياب الرعاية الصحية ومات خلال الفترة بين عامي 1990 -1999 مليوني مواطن عراقي.
وعليه إليس من الأجدر أن يكون لهولاء الضحايا نصيب يسمى قانون ضحايا الظلم الصدامي والحصار يعوضهم عن سنين الجوع˛ والحرمان˛والأضطهاد.