24 مايو، 2024 8:21 ص
Search
Close this search box.

المال سحرُه الرهيب وتأثيره العجيب

Facebook
Twitter
LinkedIn

-1-

تناقلت كتب الأدب أبيات (أبي العَيْناء) – محمد بن القاسم البصري – في المال والتي جاء فيها :

من كان يملك درهميْن تعلّمتْ

شفتاه أنواعَ الكلامِ فقالا

وتقدّم الفصحاء فاستمعوا له

ورأيتَه بين الورى مختالا

لولا دراهِمُه التي في كيسِهِ

لرأيْتَهُ شرَّ البريّة حالا

إنّ الغنيَّ اذا تكلّم كاذباً

قالوا:صدقتَ وما نطقتَ مُحالا

واذا الفقير أصابَ قالوا لم تُصِبْ

وكذبتَ ياهذا وقلتَ ضلالا

إنَّ الدراهم في المواطن كلّها

تَكسو الرجالَ مهابةً وجلالا

فهي اللسانُ لِمَنْ أرادَ فصاحةً

وهي السلاحُ لمن أرادَ قتالا

وربما تبادر الى ذهن الكثيرين وهم –يسمعون أو يقرأون – هذه الابيات انها اشتملت على مبالغات وتهويل ، وانها لغة شعريةٌ ابتعدت عن الواقع كثيراً …

-2-

ولكنَّ التجربة الأخيرة للانتخابات النيابية العامة في العراق ، والتي جرت في 30/نيسان الماضي، أثبتت صحة النظرية وصدقها ، وانطباقها الشديد على الواقع والوقائع …

واليك بعض الأمثلة :

-3-

احد المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز في انتخابات 2010 ، قام بتوزيع (الأوراق الخضراء ) على مجاميع من الشباب، وأردفها (بباج) صادر عن مكتبه –وهو مكتب شخصي لاوزن له على الاطلاق- لكل واحد من اؤلئك ، وقد أعلن يوم الاثنين 19/5/2014 عن فوزه.

ألا ترى كيف لعب المال دوره في كسبه لأصوات اولئك الشباب ؟!

انهم لايُحبونه ، ولا يثقون به على الاطلاق ، ولكنهم لايكرهون أمواله التي هم بأمس الحاجة اليها .

لقد عرف داءهم ، فجاءهم بالدواء …!!!

ان المصيبة هنا لاتكمن فيه وَحْدَهُ ، وانما تكمن فيه وفي مَنْ انبطح أمام اغراءاته المالية …

ان هذا النَمَط من التعامل ، -شراء الأصوات والذمم بالأموال – قد استُخدِم كثيراً ، وغيّر الكثير من النتائج والتوقعات .

يروى لنا التاريخ ان جلوازا جاء يوم عاشوراء الى طفلة من بنات الامام الحسين (ع) وسلبها قرطها وهو يبكي فسألته :

لماذا تبكي ؟

قال :

أبكي لأني أدري انك ابنة الحسين

قالت :

فلماذا تسلبني ؟

قال :

أخشى ان يأتي غيري ويسلبك .

هذا هو منطق المهزومين عقائدياً واخلاقياً واجتماعيا وسياسياً ….

-4-

وحدثني من أثق به، أنَّ أحد المرشحين قام بارسال مجموعة من الرجال الى مدينَتِهِ – وهي مدينة صغيرة – وهم يحملون معهم بضع ملايين من الدولارات، وأوصاهم بان لايتركوا بيتا من بيوت الكبار والوجهاء والمرموقين فضلا عن غيرهم، الاّ وطرقوا بابه وأوصلوا اليه حفنةً من تلك الأوراق الخضراء .

لقد استغرقت العملية التي تمت تحت جنح الظلام عدة ساعات، ولكنها سبقت التوجه الى صناديق الاقتراع حيث جاءت عشية الاقتراع .

وقد نجحت المحاولة حيث حصد صاحب هذه الملايين من الدولارات عشرات الآلاف من الأصوات .

وهكذا مرّر على الناس لُعْبَتَهُ ، بما رصد من أموال ..

انه انما فعل ذلك لاغراض كثيرة منها ان يحصنّ نفسه من الملاحقات القضائية التي تنتظره …

ومنها أنَّ فوزه يجعله يضيف الى ثروته اللامشروعة، أرقاما جديدة قد تقفز به الى نادي الأثرياء الكبار …

وعلى القوانين والموازين والقيم الدينية والأخلاقية والوطنية والسياسية ألف تحية وسلام .

هذا وانّ الجهات التي يفترض فيها ان تكون العين الساهرة على رعاية الضوابط كانت في سبات عميق .

انه لاشك من الفائزين شكليّاً ولكن السؤال الخطير :

هل كان بامكانه ان يفوز في الواقع لو لم تدعمه ترسانته المالية ؟!!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب