بعد قرابة سبع سنوات ونيف من جلوسه على كرسي ، يفاجئنا رئيس الوزراء نوري المالكي بنشر مقالة له عنوانها ” أصبروا علينا ” في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وأن كانت هي اشبه برسالة طلب المساعدة من واشنطن خاصة عندما ختمها “إننا سائرون على طريق الأمن والديمقراطية والرفاه، ورغم أن الشوط أمامنا لا يزال طويلاً فإننا نحب أن نسير على هذا الطريق وإلى جانبنا الولايات المتحدة. “.
وبغض النظر عن الحق المشروع في الأختلاف أو التوافق مع المالكي ورسالته الاخيرة اجد ضرورة الأستمرار بنشر هذه المقالات وهي خطوة للمكاشفة والشفافية وجزء من مشروع طويل الزمن لمدّ جسور الثقة بين الحاكم والمحكوم .
لم يعد خافياً على أحد ان الاعلام بكل وسائله يعد بلا منازع الجسر المتين الذي لتعزز الثقة، ومالغريب لو التزم المالكي أو اي مسؤول حكومي بنشر مقالة اسبوعية تطرح فيه اهم المشاكل والتحديات التي تواجه عمله وهي ايضا اشبه برسالة توضيحة للمواطنين حول أهم القضايا المهمة .
ليس هناك حرج أو ثلمة إذا انشغل المسؤولون العراقيون بكتابة رؤويتهم وخططهم المستقبلية في القضايا التي تثير جدلاً بين المواطنين خاصة اذا كانت تلك القضايا متعلقة بأمنهم وارواحهم ، مالحرج أن يتحدث المالكي مثلاً في مقال مفصل تنشره أهم الصحف ووكالات الأنباء العراقية عن اسباب بقاء اجهزة كشف المتفجرات في نقاط التفتيش على الرغم من فشلها على أرض الواقع ؟ أو عن استمرار التدهور الوضع الأمني أو عن تلك الكتل السياسية التي تمول الارهاب وتدعمه كما يكرر المالكي ذلك في أكثر من مناسبة أو لماذا هناك تسعة ملايين محروم في العراق بحسب وزارة التخطيط ؟ وغيرها من قضايا مهمة تشغل بال الرأي العام .
ولابأس هنا بالتذكير بقول الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر عندما ولاه مصر “وان ظنّتْ الرعيةُ بك حيفا فاصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك، فان في ذلك رياضة منك لنفسك، ورفقا برعيتك، واعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.”
من حق المحكومين اي ّ “المواطنين ” أن يطلعوا على كل المعلومات التي لاتؤثر على الامن الوطني وليس من حق الحاكم أن يخفي اي شيء او يختصر تصريحاته بالمتحدث الرسمي أو المستشار الأعلامي أو الأكتفاء بلقاءات صحفية.
لن يخسر المالكي ووزرائه والوكلاء والدرجات الخاصة اي شيء لو إنهم كتبوا وتحولوا إلى نصفين ننصف مسؤول وآخر صحفي وأطلعوا المواطنين وتواصلوا معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك ” أو توتير أو الاميل وفتحوا الابواب الحكومية الموصدة من دون خوف أو حذر.
وبمناسبة الحديث عن مقالة المالكي او الاشارة إلى ان بعض الوزراء لايعطي أهمية إلى وسائل الاعلام المحلية، لكنه يتفاعل مع الاعلام الأجنبي بشكل كبير على سبيل المثال وزير الخارجية هوشيار زيباري الذي يرفض اجراء اي مقابلة صحفية مع اي مؤسسة اعلامية محلية واذا اتصل به الصحفيون يغلق الهاتف مباشرة بشكل غير دبلوماسي على الرغم من انه يفترض أن يكون شيخ الدبلوماسيين في الحكومة!وهذه كارثة اخرى ينبغى تجاوزها في المستقبل المنظور .
الاسستمرار بالكتابة الصحفية و الأهتمام بالقضايا التي ترد في وسائل الاعلام والتفاعل معها ستسهم بطبيعة الحال في امتصاص الغضب والامتعاض على الاداء الحكومي وستقلص الفجوة مع المواطنين ،و هذه الوسائل التي يراها البعض من المسؤولين غير مهمة ستخرج الديمقراطية في العراق من المراهقة إلى النضج والاتزان لتنتج لنا حكومات تحترم مواطنيها وتكاشفهم باستمرار .