كل ما في العراق بتراجع مضطرد منذ شروع الرئيس المالكي بولايته الثانية, الموت الجماعي صار له موعداً يومياً في أكثر مناطق العراق سيما العاصمة, الحكومة تفقد مساحات أضافية لتخضع تحت سيطرة الإرهاب..هروب أكثر من الف مجرم من عتاة القاعدة, دليل عجز الحكومة. تمر الأحداث الكارثية التي يتعرّض لها البلد, بصورة أعتيادية!..وبعد هذا؛ من التجهيل القول: بإنّ الرئيس قطع الزيارة لإسباب طارئة, فليس ثمة شيء يستحق العودة دون إكمال المشوار..
زيارة رئيس الوزراء لواشنطن, كان مقرر لها خمسة أيام, اليوم الخامس -أقتطع من البرنامج- مخصص للقاء الجالية العراقية, أضافة إلى مجموعة من البرامج الهامشية. الجولة التي أستهلها الرئيس المالكي بلقاء نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) وبعض أعضاء الكونجرس لم تثمر, وحسب ما ترشّح أبدى الأمريكان أمتعاضاً جدياً تجاه طريقة المالكي وحكومته التي تراجعت في كل شيء. الورقة الأخيرة التي كان ينتظرها المالكي, مزقتها رسالة شيوخ واشنطن, حيث إن الرئيس أوباما تلقى تلك الرسالة ويبدو إنه تعامل مع المسؤول العراقي وفق نصها..!
أمريكا تتعاطى مع الأحداث بنفس علمي, ولا مكان للعاطفة في حساباتها إطلاقاً, فالعراق الذي أحتفل قبل أقل من ثلاثة سنوات برحيل آخر جندي أمريكي, يعود اليوم للبيت الأبيض طالباً العون والمساعدة!..إذن: كيف كانت تدار المفاوضات؟ وما هو المرتكز الذي جعل الحكومة تفاوض بطمأنينة الواثق؟ وهل الوجود الأمريكي الضامن لإستقرار نسبي أكثر شراً من دماء العراقيين التي تهدر دون حساب؟..إن إستعجال النتائج وقراءتها بطريقة أرتجالية عشوائية, تكشف عن ضعف بنية الطبيقة الحاكمة وتبعيتها لمصادر قرار داخلية ناتجة من شعارات عاطفية, وأخرى خارجية تتبع مصالح الخارج ليس أكثر.
الرحلة التي خاضها السيد المالكي, لم تحقق نتائجها, فلا الأمريكان أقتنعوا بما طُلب منهم, ولا المالكي يمتلك ضمانات تحفظ الديمقراطية الناشئة في العراق..الرئيس “أوباما” أجاب الضيف بعبارة بليغة تعكس الإنطباع الأمريكي عن حكومة بغداد, بقول: ” إن تحقيق الديمقراطية في العراق، الحل والهدف”, ولعل الهجمة الإعلامية التي واجهت الزيارة تعكس الرؤية الأمريكية الرسمية تجاه حكومة السيد المالكي, سيما إن تلك الهجمة كانت مصحوبة بممارسة مشينة في التعامل مع الرجل الأول في العراق, من ناحية الإستقبال والإقامة واللقاءات التي أبدت أمتعاض كبير من سياسية الحكومة في بغداد.
التوقيت ليس بعيداً عن حسابات الدعم السياسي لشخص رئيس الوزراء, فالعدّ التنازلي للإنتخابات التشريعية بدأ, ولا بدّ من ترتيب الأوراق جيداً, سيما إن الولاية الثالثة أباحتها المحكمة الأتحادية, غير إن المؤشرات تدل على نزيف مستمر في شعبية المالكي.
السلاح الأمريكي المزمع أرساله للعراق والمدفوع الأثمان, لم يتمكن الرئيس من إقناع الأمريكان بتسليمه, فهم يعدوه سلاحاً عراقياً وطنياً, لا يمكن تسليمه لشخص أخفق في إدارة البلد على المستوى المكوناتي والجغرافي, وقد يستخدم هذا السلاح لضرب الخصوم, أو لإستخدامه كورقة إنتخابية بعد أن فقد كل ما بجعبته فضلاً عن فقدان حكومته لإبسط منجز..!
الرسالة التي تلقاها السيد المالكي من الرئيس الأمريكي, قرر إثرها قطع الزيارة, إذ لا جدوى من إقناع الصحف أو معاهد الدراسات طالما الرجل الأول معترض على ولاية ثالثة..!
عاد المالكي إلى بغداد, مستشعراً أولى علامات فقدان السلطة, سيما إن التقارب الأمريكي- الأيراني, لن يستثنى الملف العراقي..العراق مقبل على أشهر عصبية في ظل إدارة غير مرحب بها دولياً, وفاقدة لشركاؤها محلياً, ومتخبطة إدارياً..ولن تفيدها بضعة المقاعد التي لن تصل للثلث بأحسن الحالات, فالعشوائية ستتضاعف في طريقة دولة القانون, وستختفي الكثير من ملفات الفساد قبل إن تنطلق ولاية جديدة مغايرة تماماً لما سارت عليه أحداث الأعوام المنصرمة برحيل رجل الثمان سنوات المأزومة.