23 ديسمبر، 2024 3:35 م

المالكي يربك الجميع في زيارته الى موسكو

المالكي يربك الجميع في زيارته الى موسكو

عندما وصلت طلائع القوات  الامريكية  الى بغداد في  حربها الخاطفة ضد نظام الرئيس العراقي السابق في التاسع من نيسان عام 2003 , اصدرت الادارة الامريكية  بيانا  اعلنت فيه  ان مشاريع  اعادة الاعمار سيكون حصرا على الدول التي  شاركت في  التحالف  الدولي  , هذا  البيان يحمل في  طياته  اشارة منع واضحة للدول التي  وقفت  بالضد او محايدة  من الحرب ضد العراق وفي  مقدمتها روسيا  وفرنسا .
الفرنسيون اندفعوا  باستخدام  المشاغبات الناعمة  ضد الامريكان من خلال  السماح لبعض  العراقيين المعارضين  للاحتلال  الامريكي في  عقد مؤتمرات ونشاطات على الاراضي الفرنسية , لكن الحكومة الفرنسية سرعان ما تراجعت عن موقفها  بعد ما عرفت ان هؤلاء المعارضيين لا  وجود لهم  على ارض  العراق وان الوضع الامني  لا يسمح للتورط في العراق , وان موقفها  في المحصلة النهائية  لن يصب في  نهر مصالحها الاقتصادية  خصوصا  العقود النفطية الكبيرة التي  حصلت عليها  شركات النفط الفرنسية في  عهد الرئيس العراقي السابق  ايام الحصار الاقتصادي  والتي  مازالت الشركات النفطية الفرنسية  تعمل للوصول اليها  من خلال  تفعيل  هذه العقود .
اما الروس  اصدقاء  النظام العراقي السابق  والند الدولي  للامريكان  اقتنعوا ان  مصالحهم قد انتهت وبدون رجعة الى العراق  لاسباب  اولها  سيطرة الولايات المتحدة كليا على العراق , ثانيا ,  دعمهم العلني  لنظام صدام  والذي  يعتقد غالبية الشعب العراقي انه  نظام  قمعي  دكتاتوري  كان احد اسباب استمراريته   الدعم  الروسي له سواء بالسلاح او الدعم الدبلوماسي , ثالثا , ان  قيادة مقاومة الامريكان في  العراق  كان يسيطر عليه  تنظيم القاعدة والاسلاميون المتشددون  وهذه  المجاميع على رأس  المطلوبين  للروس بسبب العمليات العسكرية التي  شنها عناصر التنظيم في  الشيشان ومناطق  روسية اخرى  ..
كان التحالف  الامريكي – الشيعي  قويا  في  العراق  ولم يكن في  تفكير الروس  تشكيل تحالف  روسي – سني  لان مثل  هذا  التحالف  بحاجة الى ترتيبات مع السعودية  , الجهة الرسمية التي  تمثل الاسلام السني  او الى ترتيبات مع التنظيمات الاسلامية المسلحة , السعودية  لا يمكن لها  الابتعاد عن حليفها الامريكي , اما الترتيبات  مع التيارات الاسلامية  فهو امر غير  وارد في  حسابات الروس اطلاقا .
لقد خسر الروس  العراق  كليا  بحيث حتى الاتصالات  الحكومية العراقية الرسمية  مع موسكو لم  تحرك الراكد في  العلاقات الروسية – العراقية , بل  اعتبرتها  روسيا  ضربا من الخيال  في  اطار الظروف الدولية والاقليمية  المتداخلة في  الملف  العراقي , خصوصا  السيطرة الكاملة الامريكية على الملف العراقي .
لكن زيارة السيد المالكي الاخيرة الى موسكو  ولقائه بالزعماء الروس  وتوقيعه عقود  لشراء  الاسلحة  بمبالغ  كبيرة  اربك  الوضع  السياسي الدولي  والاقليمي والمحلي واحتار به  المحللون والمتابعون للوضع العراقي , بحيث انقسمت الاراء  حول اسباب  ودوافع ونتائج هذه  الزيارة , ولو سلطنا الضوء على بعض من هذا  الانقسام  نجد التالي  :
ذهب فريق  منهم على ان زيارة السيد المالكي  الى روسيا  انما جائت  بعد حصول الاخيرعلى الضوء الاخضر من واشنطن .
وقال  اخر , ان الزيارة هي  اوامر صدرت من ايران  للسيد المالكي  من اجل مكافئة موسكو على موقفها من الملف  الايراني  والسوري وعززوا رأيهم بزيارات مسؤولين ايرانيين كبار الى بغداد قبل  سفر المالكي الى موسكو وايضا  الزيارة المتوقعة للرئيس الايراني السيد نجاد الى بغداد بعد عودة المالكي  لها .
وذهب فريق  اخر الى ان وراء  الزيارة  فريق من التجار الذين  قد حصلوا على عمولة كبيرة  لصفقة السلاح  التي  اشتغلوا عليها  لمدة اشهر  وقد اقنعوا  هؤلاء السيد المالكي بطرقهم الملتوية  على الذهاب  الى موسكو. يقول هذا الفريق لماذا يشتري  العراق  سلاحا روسيا  وهويخضع للسيطرة الامريكية والفصل  السابع من ميثاق الامم المتحدة ؟ هل يريد المالكي قتال  المجاميع الارهابية ؟ اذا هذا  القصد فهؤلاء اي  المجاميع المسلحة يمكن قتالها بالاسلحة التقليدية .
وقال  فريق اخر ,  ان السيد المالكي  استغل  الظروف  الانتخابية الامريكية  وانشغال  الادارة الامريكية الحالية  وتجاوز الممنوع والمسموح  والخطوط الحمراء  وذهب الى روسيا  من اجل انشاء  حلف روسي – شيعي  بعد ان ظهر الى السطح تحالف  امريكي – سني  في  الملف  السوري .
قبل  مناقشة هذه الاراء  دعونا  نسلط الضوء على  وجهة نظر السيد المالكي  الشخصية من خلال تصريحاته  لقناة “روسيا 1″ التلفزيونية الروسية تم بثه  يوم السبت الماضي في  الثالث  عشر  من اكتوبر”  ان العراق ينطلق في سياسته الخارجية من مصالحه ولا يتشاور بهذا الشأن مع اي دولة سواء في مسائل شراء السلاح او العقود النفطية”. واشار المالكي الى ان للعراق علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وايران على حد سواء، على الرغم من الحالة الراهنة للعلاقات بينهما. واضاف ان العراق لدى شرائه الاسلحة ينطلق من احتياجاته. ونوه المالكي بان الكثير من الشركات الروسية اوقفت اعمالها في العراق بعد بداية الحرب هناك عام 2003، مضيفا ان التصور الروسي للوضع في العراق آنذاك لم يكن صحيحا، حسب رأيه.
واشار الى ان الروس رأوا ان العراق اصبح ملكا للولايات المتحدة وحلفائها، لكن الوضع لم يكن كذلك، ولم يطرد الامريكان الشركات الروسية. اما الشركات الامريكة فهي لم تبد سعيا قويا لعقد صفقات مع العراق).
هكذا لخص  السيد المالكي  اسباب زيارته  الى موسكو بالتالي :
اولا : ان العراق  ذات سيادة وينطلق  في  علاقات الخارجية استنادا الى مصالحه .
ثانيا : شراء الاسلحة استنادا الى احتياجاته .
ثالثا : ان العراق لديه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ولكنه ليس  ملكا لها ولحفائها كما كان يتصور الروس.
رابعا : ان الشركات الامريكية لم  تبد  اهتماما في  عقد صفقات مع العراق .

في  المقابل  اسرعت الادارة الامريكية  في تفويت الفرصة  على خصمها الجمهوري من استخدام  زيارة المالكي  وصفقة السلاح الروسي التي  تبلغ مليارات الدولارات  في  المنافسة الانتخابية الامريكية  وكشفت للجمهور الامريكي  من خلال  الناطقة باسم الخارجية الامريكية  فيكتوريا نولاند  ان عقود التسليح مع العراق بلغ قيمتها  ثلاث اضعاف  الصفقة الروسية ( 12.3) مليار دولار  ووعدت واشنطن على تنفيذ صفقات  السلاح مع العراق  في  اسرع وقت  ممكن .
ايضا  اسرع البيت الابيض  بارسال  وفدا خاصا  لزيارة العراق  واللقاء بالسيد المالكي  لمعرفة وجس النبض لما بعد الزيارة مع تاكيد الطرفين  على اهمية تفعيل  العلاقات الاستتراتجية بين العراق  وامريكا .
لم  يكن في  خيال  موسكو  ان يعود العراق  لها  ولم يكن في  خيال  واشنطن  ان يذهب العراق  الى موسكو خصوصا  ان  واشنطن تعتقد ان  الحكومة العراقية هي  من صنع تضحياتها بالاموال والرجال  لكن واشنطن لاتستطيع ان تكشف  امتعاضها علنا  لان العراق  بلد ذات سيادة وفيه حكومة منتخبة  من قبل الشعب .
في  الوقت  نفسه لا احد يستطيع منع السيد المالكي  من الذهاب  الى اي  جهة  في  العالم لشراء  السلاح خصوصا  ان  الاوضاع السورية  الخطرة والقريبة من العراق  بحاجة الى استعداد حكومي عراقي اذا ما سقط النظام  السوري  ووصل الاسلاميون  الى حكم دمشق .
يبدو ان السيد المالكي  كان واضحا في  تصريحاته الاعلامية  ان لا احد يستطيع ان يملي  على العراق  سياسة خارجية  بل  ان العراق  يتحرك في  علاقاته الخارجية  استنادا الى حاجاته ومصالحه , ولا شك انه بهذه التصريحات  اربك الجميع  خصوصا  واشنطن  التي  سيكون لها  موقفا  مغايرا بعد نهاية الانتخابات .
اما  موسكو  سيكون تدخلها بالملف  السوري اقوى  استنادا الى   زيارة المالكي وعودة العراق  الى  احضان  روسيا الصديق القديم الجديد , ستقول  موسكو  لمنتقدي  موقفها الرسمي  من الملف  السوري  في  الداخل والخارج  ( حتى لو سقط  نظام الاسد  في  دمشق  ها هي  بغداد  تفتح ابوابها من جديد  ).
لكن ليس  بمنظور موسكو  القريب  قيام تحالف  روسي – شيعي ( العراق  , ايران , سوريا  ) في  الشرق  الاوسط  يقف بوجه التحالف  الامريكي – الاسلام السني  السلفي  ( تركيا  , السعودية , قطر , مصر ) لان  موسكو حتى الان  مازالت  تحاول  تقليص  وصد الاختراق الامريكي  في  حديقتها الخلفية , ولا يبدو ان موسكو لديها القدرة على صناعة شرق  اوسط جديد  مخالف  لما  انجزته السياسة الامريكية في  الشرق  الاوسط من خلال  الحرب او من خلال  حلفائها القدماء و الجدد الذين وصلوا الى السلطة بواسطة  الربيع العربي .
لا احد يستطيع ان يخمن  نتائج الزيارة لكن  بعض  نتائجها لاحت بالافق في الداخل العراقي  حيث  طلب التحالف  الكردستاني   توضيحا حكوميا  من المركز  حول الاسلحة وعقودها  ومستقبل  استخدامها , بينما شنت  الصحف  الخليجية الرسمية و شبه الرسمية  هجوما  على السيد المالكي  وعلى الوفد المرافق له  واشارت الصحف الكويتية  الى  ماأ سمته فضيحة  في  جناح الوفد العراقي اتهمت فيه  احد اعضاء الوفد في  ممارسة الجنس  مع  شقراء روسية تعمل بالفندق .
يبدو لي  ان السيد  المالكي  بحاجة ماسة الى  زيارة واشنطن  بعد الانتخابات الامريكية  ليضع  الكثير من النقاط على حروف العلاقات الاستتراتيجية  الامريكية العراقية  ويقطع  الطريق على اللوبي  المعادي المدعوم  باموال  الخليج .
وقبل زيارته  الى  واشنطن  , على السيد المالكي  تقوية  اواصر العلاقات بين  اطراف  التحالف  الوطني  خصوصا  ان  فعاليات الخصم السياسي الداخلي  والاقليمي  واستحقاقات المرحلة القادمة ستكون  كبيرة جدا .

* مدير المركز الامريكي العراقي للمعلومات