في آخر لقاء تلفزيوني لزعيم حزب الدعوة نوري المالكي، ظهر وهو في حالة توتر، بحيث أنه “خاط وخربط” كما يقول المثل الشعبي العراقي، حتى بدت تعليقاته أقرب إلى تهديدات سافرة للأطراف السياسية الأخرى، بما فيها المتحالفة معه، بأن عليها أن تعرف حجمها وتعترف بأنه هو زعيم الأغلبية وعليها ألا تناكفه أو تغرد خارج سربه، وإلا فإنها خاسرة لا محالة، قالها بتحد مفتعل دون أن ينسى عقدته مع الاعتصامات السلمية التي شهدتها المحافظات السنية طوال عام 2013 وزادت على أوصافه السابقة لها، “فقاعة ونتنة ومعسكر يزيد”، بأنها انتفاضة سنية لتقويض حكم الشيعة.
وواضح أن المالكي المهووس بالتفرد والدكتاتورية، لم يعد قادرا على العيش إلا وسط أجواء السلطة والمال وقيادة القوات المسلحة، لذلك فهو يروج حاليا لصيغتين تقود إحداهما العملية السياسية في المرحلة المقبلة، نظام رئاسي أو حكومة أغلبية، وأيهما يطبق، فإن المستفيد الأول سيكون هو نفسه، هكذا يخطط ليصبح رئيسا للجمهورية وقائدا عاما للقوات المسلحة، كما ألمح في حديث لصحيفة لبنانية مقربة لحزب الله مؤخرا، عندما قال “أريد أن أكون شريكا قويا في رسم نظام سياسي متين وجديد” وقصده واضح.
وفي حال عدم نجاحه في تحقيق هذا النظام (المتين الجديد) الذي يعني به الرئاسي وعدم تمكنه من جمع ثلثي أعضاء مجلس النواب المقبل لتعديل الدستور وإقرار هذه الصيغة، فإن المالكي سيعمل على فرض خياره الثاني، رئاسة حكومة تستند إلى ائتلاف انتخابي أو كتلة تفوز بأعلى المقاعد النيابية، وهو قادر على تحقيق ذلك في انتخابات ربيع العام 2018، حيث ما زال أكثر من نصف العراق في وضع أمني قلق، وأجزاء من المحافظات السنية إما محتلة من داعش وإما خالية من السكان بين مهجر ونازح، وفي ظل حكومة مضطربة يرأسها قيادي في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون، تؤكد المؤشرات الحالية أنه سيظل ضمن ائتلاف المالكي.
إن النشاط المحموم الذي يخوضه المالكي في الفترة الراهنة لإجراء الانتخابات في مارس أو أبريل المقبلين، يهدف إلى استباق عودة النازحين وجميعهم من السنة العرب إلى مدنهم ومناطقهم، والتقارير الحكومية تقدرهم بأربعة ملايين نسمة، الأمر الذي يتيح لحزب الدعوة الذي يقود الحكومة الحالية وأجهزتها ومفوضية الانتخابات المشهود لها بالتزوير في الدورات السابقة، تحريك المشهد الانتخابي وتحديد نتائجه، وفق رغبات المالكي وخدمة أجندته، في منع ممثلين حقيقيين للسنة العرب في الوصول إلى البرلمان، مع دعواته إلى تفعيل قوانين الاجتثاث وتطبيق صارم للمادة (4 إرهاب) خصوصا إذا علمنا أن 205 آلاف من سكان الموصل بجانبيها الأيسر والأيمن، مدرجون في حاسبات الأجهزة الأمنية كمتهمين بالإرهاب، إضافة إلى 48 ألفا كمشتبه بهم، في حين أن أكثر من ربع مليون نازح في محافظة صلاح الدين ممنوعون من العودة إلى مدنهم لعدم استكمال عمليات التدقيق الأمني بشأنهم، في الوقت الذي ما زال 350 ألف نازح من محافظة ديالى لم يبت في طلبات عودتهم، أما نازحو شمال محافظة بابل مـن جرف الصخر وامتدادا إلى الحصوة واللطيفية ومشروع المسيب وعددهم أكثر من 200 ألف نازح، فقرار عودتهم بات في طهران.
وعندما يسعى المالكي إلى تضخيم المخاطر من تأجيل الانتخابات المقبلة والتحذير من فراغ دستوري، فإنه يدرك أن إجراء الانتخابات قي ظل ظروف أمنية هادئة نسبيا، وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، ونزول قوائم انتخابية محلية ومناطقية، وتهاوي شبكة “سنة المالكي” في المحافظات السنية العربية، سيفقده الأمل في تشكيل أغلبية نيابية عددية، خصوصا وأن التيار الصدري قد ينجح في زيادة عدد نوابه في المحافظات الشيعية كما تشير المعلومات الأولية، الأمر الذي يعده المالكي هزيمة للمشروع الإسلامي الذي يقوده حزب الدعوة، كما قال صراحة للصحيفة اللبنانية.
المالكي يقاتل لإجراء الانتخابات بعد ثمانية شهور من الآن، حتى يتخلص من هاجس “بيع الموصل” في أعقاب الكشف عن جزء من تقرير اللجنة النيابية في التحقيق بأحداث المدينة برئاسة النائب الصدري حاكم الزاملي، وخصوصا شهادات معاون رئيس أركان الجيش الفريق عبود قنبر، وقائد القوات البرية الفريق علي غيان، وقائد عمليات نينوى الفريق مهدي الغراوي، الذين اجمعوا أمام لجنة التحقيق النيابية، بأنهم أعدوا خطة بعد صدور أوامر المالكي بالانسحاب من المدينة، كانت تتضمن إعادة تنظيم القوات وتعبئتها بطريقة جديدة بحيث تتولى قطع إمدادات داعش من غربي الموصل والزحف من جنوبها وشمالها وشرقها، وكان مسلحو التنظيم لم يصلوا إلى هذه الجهات الثلاث، وإنما تركزت قلة منهم في أيمن المدينة فقط، وحدد القادة 72 ساعة لاستعادة المدينة بالكامل، خصوصا أن الدواعش كانوا يعانون من نقص في الأفراد ويلحون على قادتهم في سوريا لإرسال المزيد من المقاتلين لتشغيل المعدات وتسلم الأسلحة المركونة في المستودعات.
وجاء في شهادات الثلاثة أيضا، أنهم قدموا الخطة إلى مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق الأعرجي، في 11 يونيو 2014 لعرضها على المالكي والحصول على موافقته عليها، ولكنهم فوجئوا بأن الأخير أشر على الخطة بكلمة واحدة “تحفظ” وطلب من مدير مكتبه إبلاغ قنبر وغيدان والغراوي بالذهاب إلى بيوتهم.
وكما قلنا في مقال سابق، فإن المالكي يريدها انتخابات على مقاسه يكون فيها الدور الأساس للحشد الشعبي، الذي قال للصحيفة اللبنانية إنه يرفض دمجه في الجيش أو الشرطة لأن ذلك في رأيه يعني نهاية الحشد الذي ادعى أنه أسسه منذ عام 2012 وقبل صدور فتوى السيستاني بإنشائه. المالكي مصر على العودة إلى الحكم، إما رئيسا للجمهورية بصلاحيات جديدة، وإما رئيسا للحكومة بسلطات واسعة، المهم أن يحكم وعلى العراق الخراب.